فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة ب [ القول المفيد في حكم التقليد ] وفي مؤلفنا المسمى ب [ أدب الطلب ومنتهى الأرب ] اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار ، يا مجيب السائلين .
قوله ( إنكم إذا مثلهم ) تعليل للنهي : أي إنكم إن فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر . قيل وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل : * وكل قرين بالمقارن يقتدي * وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال : هي منسوخة بقوله تعالى - وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ - وهو مردود فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها . قوله ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) هذا تعليل لكونهم مثلهم في الكفر ، قيل وهم القاعدون والمقعود إليهم عند من جعل الخطاب موجها إلى المنافقين . قوله ( الذين يتربصون بكم ) أي ينتظرون بكم ما يتجدد ويحدث لكم من خير أو شر ، والموصول في محل نصب على أنه صفة للمنافقين أو بدل منهم فقط دون الكافرين لأن التربص المذكور هو من المنافقين دون الكافرين ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم ، ( فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ) هذه الجملة والجملة التي بعدها حكاية لتربصهم : أي إن حصل لكم فتح من الله بالنصر على من يخالفكم من الكفار ( قالوا ) لكم ( ألم نكن معكم ) في الاتصاف بظاهر الإسلام والتزام أحكامه والمظاهرة والتسويد وتكثير العدد ( وإن كان للكافرين نصيب ) من الغلب لكم والظفر بكم ( قالوا ) للكافرين ( ألم نستحوذ عليكم ) أي ألم نقهركم ونغلبكم ونتمكن منكم ولكن أبقينا عليكم . وقيل المعنى : إنهم قالوا للكفار الذين ظفروا بالمسلمين ألم نستحوذ عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم ؟ والأول أولى ، فإن معنى الاستحواذ : الغلب ، يقال استحوذ على كذا : أي غلب عليه ، ومنه قوله تعالى - استحوذ عليهم الشيطان - ولا يصح أن يقال : ألم نغلبكم حتى هابكم المسلمون ، ولكن المعنى : ألم نغلبكم يا معشر الكافرين ونتمكن منكم فتركناكم وأبقينا عليكم حتى حصل لكم هذا الظفر بالمسلمين ( ونمنعكم من المؤمنين ) بتخذيلهم وتثبيطهم عنكم حتى ضعفت قلوبهم عن الدفع لكم وعجزوا عن الانتصاف منكم ، والمراد أنهم يميلون مع من له الغلب والظفر من الطائفتين ويظهرون لهم أنهم كانوا معهم على الطائفة المغلوبة ، وهذا شأن المنافقين أبعدهم الله ، وشأن من حذا حذوهم من أهل الإسلام من التظهر لكل طائفة بأنه معها على الأخرى ، والميل إلى من معه الحظ من الدنيا في مال أو جاه فيلقاه بالتملق والتودد والخضوع والذلة ، ويلقى من لاحظ له من الدنيا بالشدة والغلظة وسوء الخلق ويزدري به ويكافحه بكل مكروه ، فقبح الله أخلاق أهل النفاق وأبعدها . قوله ( فالله يحكم بينكم يوم القيامة ) بما انطوت عليه ضمائرهم من النفاق والبغض للحق وأهله ، ففي هذا اليوم تنكشف الحقائق وتظهر الضمائر وإن حقنوا في الدنيا دماءهم وحفظوا أموالهم بالتكلم بكلمة الإسلام نفاقا ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ، هذا في يوم القيامة إذا كان المراد بالسبيل النصر والغلب ، أو في الدنيا إن كان المراد به الحجة . قال ابن عطية . قال جميع أهل التأويل : إن المراد بذلك يوم القيامة . قال ابن العربي : وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه ، وسببه توهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله يعني قوله ( فالله يحكم بينكم يوم القيامة ) وذلك يسقط فائدته ، إذ يكون تكرارا هذا معنى كلامه ، وقيل المعنى : إن الله لا يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين يمحو به دولتهم ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم كما يفيده الحديث الثابت في الصحيح " وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا " وقيل إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلا