وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي وابن مردويه عن طفيل بن سخبرة " أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود فقال : أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن الله ، فقالوا : وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . ثم مر برهط من النصارى فقال : أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله ، قالوا : وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخطب فقال إن طفيلا رأى رؤيا وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم فلا تقولوها ، ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له " وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي ، وتقول : لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص ، ولولا القط في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل لولا الله وفلان ، هذا كله شرك . وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال " قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك " الحديث .
( في ريب ) أي شك مما نزلنا على عبدنا : أي القرآن أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم . والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل . والتنزيل التدريج والتنجيم . وقوله ( فأتوا ) الفاء جواب الشرط وهو أمر معناه التعجيز .
لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الشرك عقبه بما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما يدفع الشبهة في كون القرآن معجزة ، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من سوره . والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص ، سميت بذلك لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلد عليها . و " من " في قوله ( من مثله ) زائدة لقوله فأتوا بسورة مثله . والضمير في مثله عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم . وقيل عائد على التوراة والإنجيل ، لأن المعنى : فأتوا بسورة من كتاب مثله فإنها تصدق ما فيه . وقيل يعود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمعنى من بشر مثل محمد : أي لا يكتب ولا يقرأ . والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو المعاون ، والمراد هنا الآلهة . ومعنى ( دون ) : أدنى مكان من الشئ واتسع فيه حتى استعمل في تخطي الشئ إلى شئ آخر ، ومنه ما في هذه الآية ، وكذلك قوله تعالى - لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين - وله معان أخر ، منها التقصير عن الغاية والحقارة ، يقال هذا الشئ دون : أي حقير ، ومنه :
إذا ما علا المرء رام العلا * ويقنع بالدون من كان دونا والقرب يقال هذا دون ذاك : أي أقرب منه ويكون إغراء ، تقول : دونك زيدا : أي خذه من أدنى مكان ( من دون الله ) متعلق بادعوا : أي ادعوا الذين يشهدون لكم من دون الله إن كنتم صادقين فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة ، وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم . والصدق خلاف الكذب ، وهو مطابقة الخبر للواقع أو للاعتقاد أو لهما على الخلاف المعروف في علم المعاني ( فإن لم تفعلوا ) يعني فيما مضى ( ولن تفعلوا ) أي تطيقوا ذلك فيما يأتي