ومعناها على الثاني : أنهم يأنسون به بجامع البشرية ، ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية ، وقرئ ( من أنفسهم ) بفتح الفاء : أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل من غيرهم ، ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول ، وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص ، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص ، لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار ، ورفاعة المحتد . ويدل على الوجه الأول قوله تعالى - هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم - وقوله - وإنه لذكر لك ولقومك - . قوله ( يتلو عليهم آياته ) هذه منة ثانية أي يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئا من الشرائع ( ويزكيهم ) أي يطهرهم من نجاسة الكفر وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى ، وهما في محل نصب على الحال ، أو صفة لرسول ، وهكذا قوله ( ويعلمهم الكتاب ) ، والمراد بالكتاب هنا القرآن . والحكمة : السنة . وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك ( وإن كانوا من قبل ) أي من قبل محمد ، أو من قبل بعثته ( لفي ضلال مبين ) أي واضح لا ريب فيه ، واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة ، وبين النافية ، فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية ، واسمها ضمير الشأن ، أي وإن الشأن والحديث ، وقيل إنها النافية ، واللام بمعنى إلا : أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين ، وبه قال الكوفيون والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال .
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى ( وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ) الآية ، قال : هذا قول عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقين . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد في قوله ( ليحمل الله ذلك حسرة في قلوبهم ) قال : يحزنهم قولهم ولا ينفعهم شيئا . وأخرجوا عن قتادة في قوله ( فبما رحمة من الله ) يقول : فبرحمة من الله ( لنت لهم ) . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( لانفضوا من حولك ) قال : لانصرفوا عنك . وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب ، قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس : قال لما نزلت ( وشاورهم في الأمر ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن الله جعلها رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ، ومن تركها لم يعدم غيا " . وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ( وشاورهم في الأمر ) . قال : أبو بكر وعمر . وأخرج ابن مردويه عن علي قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العزم ، فقال : مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم " . وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ( وما كان لنبي أن يغل ) في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها فنزلت . وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس ( وما كان لنبي أن يغل ) قال : ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه . وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ( هم درجات عند الله ) يقول : بأعمالهم . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في قوله ( لقد من الله على المؤمنين ) الآية ، قالت : هذه للعرب خاصة .