الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به . قوله ( أقررتم ) هو من الإقرار . والإصر في اللغة : الثقل ، سمي العهد إصرا لما فيه من التشديد . والمعنى : وأخذتم على ذلك عهدي . قوله ( قالوا أقررنا ) جملة استئنافية كأنه قيل : ماذا قالوا عند ذلك ؟ فقيل قالوا أقررنا ، وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفاء بذلك . قوله ( قال فاشهدوا ) أي قال الله سبحانه فاشهدوا : أي ليشهد بعضهم على بعض ( وأنا معكم من الشاهدين ) أي وأنا على إقراركم وشهادة بعضكم على بعض من الشاهدين . قوله ( فمن تولى ) أي أعرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق ( فأولئك هم الفاسقون ) أي الخارجون عن الطاعة .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) ونحن نقرأ ميثاق النبيين ، فقال ابن عباس : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية ، قال ( أخذ الله ميثاق النبيين ) أن يصدق بعضهم بعضا . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) قال : هي خطأ من الكتاب ، وهي في قراءة ابن مسعود " ميثاق الذين أوتوا الكتاب " . وأخرج ابن جرير عن علي قال : لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ، ثم تلا ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) الآية . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية نحوه . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله ( إصري ) قال : عهدي . وأخرج ابن جرير عن علي في قوله ( قال فاشهدوا ) يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك ( وأنا معكم من الشاهدين ) عليكم وعليهم ( فمن تولى ) عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم ( فأولئك هم الفاسقون ) هم العاصون في الكفر .
قوله ( أفغير ) عطف على مقدر : أي أتتولون فتبغون غير دين الله ، وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار .
وقرأ أبو عمرو وحده ( يبغون " بالتحتية و " ترجعون " بالفوقية ، قال : لأن الأول خاص والثاني عام ، ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى . وقرأ حفص بالتحتية في الموضعين . وقرأ الباقون بالفوقية فيهما وانتصب طوعا وكرها على الحال ، أي طائعين ومكرهين . والطوع : الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره : ما فيه مشقة وهو من أسلم مخافة القتل وإسلامه استسلام منه . قوله ( آمنا ) إخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه وعن أمته ( لا نفرق بين أحد منهم ) كما فرقت اليهود والنصارى فآمنوا ببعض وكفروا ببعض . وقد تقدم تفسير هذه الآية ( ونحن له