غيرها ؟ وقيل معناه بأي سبب استوجب هذا ، وأنا وامرأتي على هذه الحال ؟ . والحاصل أنه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما ، لأنه كان يوم التبشير كبيرا ، قيل في تسعين ، سنة وقيل ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته في ثمان وتسعين سنة ، ولذلك قال ( ولقد بلغني الكبر ) أي والحال ذلك ، جعل الكبر كالطالب له لكونه طليعة من طلائع الموت فأسند الفعل إليه . والعاقر : التي لا تلد ، أي ذات عقر على النسب ولو كان على الفعل لقال عقيرة ، أي بها عقر يمنعها من الولد ، وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ، ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظاما لقدرة الله سبحانه لا لمحض الاستبعاد ، وقيل إنه قد مر بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة ، وقيل عشرون سنة فكان الاستبعاد من هذه الحيثية .
قوله ( كذلك الله يفعل ما يشاء ) أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو إيجاد الولد من الشيخ الكبير والمرأة العاقر ، والكاف في محل نصب نعتا لمصدر محذوف ، والإشارة إلى مصدر يفعل أو الكاف في محل رفع على أنها خبر : أي على هذا الشأن العجيب شأن الله ، ويكون قوله ( يفعل ما يشاء ) بيانا له ، أو الكاف في محل نصب على الحال : أي يفعل الله الفعل كائنا مثل ذلك . قوله ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة أعرف بها صحة الحبل فأتلقى هذه النعمة بالشكر ( قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) أي علامتك أن تحبس لسانك عن تكليم الناس ثلاثة أيام لا عن غيره من الأذكار ، ووجه جعل الآية هذا لتخلص تلك الأيام لذكر الله سبحانه شكرا على ما أنعم به عليه ، وقيل بأن ذلك عقوبة من الله سبحانه له بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه ، حكاه القرطبي عن أكثر المفسرين . والرمز في اللغة : الإيماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو اليدين ، وأصله الحركة وهو استثناء منقطع ، لكون الرمز من غير جنس الكلام ، وقيل هو متصل على معنى أن الكلام ما حصل به الافهام من لفظ أو إشارة أو كتابة وهو بعيد . والصواب الأول ، وبه قال الأخفش والكسائي . قوله ( وسبح ) أي سبحه ( بالعشي ) وهو جمع عشية ، وقيل هو واحد وهو من حين تزول الشمس إلى أن تغيب ، وقيل من العصر إلى ذهاب صدر الليل وهو ضعيف جدا ( والإبكار ) من طلوع الفجر إلى وقت الضحى ، وقيل المراد بالتسبيح الصلاة . قوله ( إذ قالت الملائكة يا مريم ) الظرف متعلق بمحذوف كالظرف الأول ( إن الله اصطفاك ) اختارك ( وطهرك ) من الكفر أو من الأدناس على عمومها ( واصطفاك على نساء العالمين ) قيل هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأول ، فالأول هو حيث تقبلها بقبول حسن ، والآخر لولادة عيسى . والمراد بالعالمين هنا قيل نساء عالم زمانها وهو الحق ، وقيل نساء جميع العالم إلى يوم القيامة ، واختاره الزجاج ، وقيل الاصطفاء الآخر تأكيد للاصطفاء الأول والمراد بهما جميعا واحد . قوله ( يا مريم اقنتي لربك ) أي أطيلي القيام في الصلاة أو أديميه وقد تقدم الكلام على معاني القنوت ، وقدم السجود على الركوع لكونه أفضل أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها مع كون الواو مجرد الجمع بلا ترتيب . وقوله ( واركعي مع الراكعين ) ظاهره أن ركوعها يكون مع ركوعهم فيدل على مشروعية صلاة الجماعة ، وقيل المعنى أنها تفعل مثل فعلهم وإن لم تصل معهم ، والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما سبق من الأمور التي أخبره الله بها . والوحي في اللغة : الإعلام في خفاء ، يقال وحي وأوحى بمعنى . قال ابن فارس : الوحي الإشارة والكتابة والرسالة وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى تعلمه . قوله ( وما كنت لديهم ) أي تحضرنهم يعني المتنازعين في تربية مريم ، وإنما نفي حضوره عندهم مع كونه معلوما لأنهم أنكروا الوحي ، فلو كان ذلك الإنكار صحيحا لم يبق طريق للعلم به إلا المشاهدة والحضور ، وهم لا يدعون ذلك فثبت كونه وحيا مع تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة ولا ممن يلابس أهلها . والأقلام جمع قلم ، من قلمه إذا قطعه : أي أقلامهم التي