قوله ( ألم تر إلى الملأ ) الكلام فيه كالكلام في قوله - ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم - وقد قدمناه ، والملأ الأشراف من الناس كأنهم ملئوا شرفا . وقال الزجاج : سموا بذلك لأنهم ملئون بما يحتاج إليه منهم ، وهو اسم جمع كالقوم والرهط . ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة وقوله ( من بعد موسى ) من ابتدائية وعاملها مقدر : أي كائنين من بعد موسى : أي بعد وفاته . وقوله ( لنبي لهم ) قيل هو شمويل بن يار بن علقمة ويعرف بابن العجوز ، ويقال فيه شمعون ، وهو من ولد يعقوب ، وقيل من نسل هارون ، وقيل هو يوشع بن نون ، وهذا ضعيف جدا لأن يوشع هو فتى موسى ، ولم يوجد داود إلا بعد ذلك بدهر طويل ، وقيل اسمه إسماعيل . وقوله ( ابعث لنا ملكا ) أي أميرا نرجع إليه ونعمل على رأيه . وقوله ( نقاتل ) بالنون والجزم على جواب الأمر ، وبه قرأ الجمهور . وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل على أنه صفة للملك . وقرئ بالنون والرفع على أنه حال أو كلام مستأنف . وقوله ( هل عسيتم ) بالفتح للسين وبالكسر لغتان ، وبالثانية قرأ نافع ، وبالأولى قرأ الباقون . قال في الكشاف : وقراءة الكسر ضعيفة . وقال أبو حاتم ليس للكسر وجه انتهى . وقال أبو علي : وجه الكسر قول العرب : هو عس بذلك ، مثل حر وشج ، وقد جاء فعل وفعل في نحو نقم ونقم ، فكذلك عسيت وعسيت ، وكذا قال مكي . وقد قرأ بالكسر أيضا الحسن وطلحة فلا وجه لتضعيف ذلك ، وهو من أفعال المقاربة : أي هل قاربتم أن لا تقاتلوا ، وإدخال حرف الاستفهام على فعل المقاربة لتقرير ما هو متوقع عنده والإشعار بأنه كائن ، وفصل بين عسى وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به .
قال الزجاج : أن لا تقاتلوا في موضع نصب : أي هل عسيتم مقاتلة . قال الأخفش : " أن " في قوله ( وما لنا ألا نقاتل ) زائدة . وقال الفراء : هو محمول على المعنى : أي وما منعنا كما تقول مالك ألا تصلي ، وقيل المعنى : وأي شئ لنا في أن لا نقاتل . قال النحاس : وهذا أجودها . وقوله ( وقد أخرجنا ) تعليل والجملة حالية ، وإفراد الأولاد بالذكر لأنهم الذين وقع عليهم السبي ، أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة ( فلما كتب ) أي فرض ، أخبر سبحانه أنهم تولوا لاضطراب نياتهم وفتور عزائمهم . واختلف في عدد القليل الذين استثناهم الله سبحانه ، وهم الذي اكتفوا بالغرفة . وقوله ( وقال لهم نبيهم ) شروع في تفصيل ما جرى بينهم وبين نبيهم من الأقوال والأفعال . وطالوت :
اسم أعجمي ، وكان سقاء ، وقيل دباغا ، وقيل مكاريا . ولم يكن من سبط النبوة وهم بنو لاوي ، ولا من سبط الملك وهم بنو يهوذا ، فلذلك ( قالوا أنى يكون له الملك علينا ) أي كيف ذلك ، ولم يكن من بيت الملك ، ولا هو ممن أوتى سعة من المال حتى نتبعه لشرفه أو لماله ، وهذه الجملة أعني قوله ( ونحن أحق ) حالية وكذلك الجملة المعطوفة عليها . وقوله ( اصطفا عليكم ) أي اختاره واختيار الله هو الحجة القاطعة . ثم بين لهم مع ذلك وجه الاصطفاء : بأن الله زاده بسطة في العلم ، الذي هو ملاك الإنسان ورأس الفضائل وأعظم وجوه الترجيح ، وزاده بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها . فكان قويا في دينه وبدنه ، وذلك هو المعتبر ، لا شرف النسب . فإن فضائل النفس مقدمة عليه ( والله يؤتي ملكه من يشاء ) فالملك ملكه ، والعبيد عبيده ، فما لكم والاعتراض على شئ ليس هو لكم ولا أمره إليكم . وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن قوله ( والله يؤتي ملكه من