الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة . وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تفرقوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه " فالصراط : الإسلام ، والسوران : حدود الله ، والأبواب المفتحة :
محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط : كتاب الله ، والداعي من فوق : واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم . قال ابن كثير بعد إخراجه : وهو إسناد حسن صحيح . وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر الأنباري والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أنه قال " هو كتاب الله " . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر عن أبي العالية قال : هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه من بعده . وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية عن ابن عباس مثله . وروى القرطبي عن الفضيل بن عياض أنه قال : الصراط المستقيم طريق الحج . قال : وهذا خاص والعموم أولى انتهى . وجميع ما روى في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي عن الفضيل يصدق بعضه على بعض ، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي فقد اتبع الحق . وقد ذكر ابن جرير نحو هذا فقال : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي معنيا به ، وفقنا للثبات على ما ارتضيته ، ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ، لأن من وفق إليه ممن أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم انتهى .
( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) انتصب صراط على أنه بدل من الأول ، وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، وفائدته الإيضاح . والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال - ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما - وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام ، وغير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال ، أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان والسلامة من ذلك ، وصح جعله صفة للمعرفة مع كون غير لا تتعرف بالإضافة إلى المعارف لما فيها من الإبهام ، لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين . والغضب في اللغة قال القرطبي : الشدة ، ورجل غضوب : أي شديد الخلق ، والغضوب : الحية الخبيثة لشدتها . قال : ومعنى الغضب في صفة الله : إرادة العقوبة فهو صفة ذاته . أو نفس العقوبة ، ومنه الحديث " إن الصدقة لتطفئ غضب الرب " فهو صفة فعله . قال في الكشاف : هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم ، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده ، والفرق بين عليهم الأولى وعليهم الثانية ، أن الأولى في محل نصب على المفعولية ، والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل . و " لا " في قوله ولا الضالين تأكيد للنفي المفهوم من غير ، والضلال في لسان العرب قال القرطبي : هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ، ومنه ضل اللبن في الماء : أي غاب ، ومنه - أئذا ضللنا في الأرض - أي غبنا بالموت وصرنا ترابا . وأخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ - صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين - وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك . وأخرج