أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه . ولو كان الامر على غير ذلك ، لما كان للامر والنهي معنى مفهوم فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه ، فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما : إنما نحن فتنة فلا تكفر ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه وعن السحر ، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما ، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما ، ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك لله مطيعين ، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان . وقد عبد من دون الله جماعة من أولياء الله ، فلم يكن ذلك لهم ضائرا إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به ، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه ، فكذلك الملكان غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما بعد نهيهما إياه عنه وعظتهما له بقولهما : إنما نحن فتنة فلا تكفر إذ كانا قد أديا ما أمر به بقيلهما ذلك . كما :
1398 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت إلى قوله : فلا تكفر أخذ عليهما ذلك .
ذكر بعض الاخبار التي في بيان الملكين ، ومن قال إن هاروت وماروت هما الملكان اللذان ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ببابل :
1399 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، قال : ثنا أبو شعبة العدوي في جنازة يونس بن جبير أبي غلاب ، عن ابن عباس قال :
إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم ، فلما أبصروهم يعملون الخطايا ، قالوا : يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شئ ، يعملون بالخطايا . قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا :
سبحانك ما كان ينبغي لنا ، قال : فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض . قال : فاختاروا هارون وماروت ، فاهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شئ غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق .
قال : فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت ، فلما أبصراها أرادا بها زنا ، فقالت : لا إلا أن تشركا بالله وتشربا الخمر وتقتلا النفس وتسجدا لهذا الصنم . فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئا . فقال أحدهما للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا