لنبيهم : ( أرنا الله جهرة ) [1] وأن الله تعالى ذكره أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم وأنهم عبدوا العجل ، فجعل توبتهم قتل أنفسهم ، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة ، فقالوا لنبيهم : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) [2] فابتلاهم بالتيه . فسواء قال قائل :
هم لم يمسخهم قردة ، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير ، وآخر قال : لم يكن شئ مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلها الله بهم . ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه ، سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك . بما أقر به ، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح . هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه ، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) .
يعني بقوله : ( فقلنا لهم ) أي فقلنا للذين اعتدوا في السبت ، يعني في السبت .
وأصل السبت الهدو السكون في راحة ودعة ، ولذلك قيل للنائم مسبوت لهدوه وسكون جسده واستراحته ، كما قال جل ثناؤه : ( وجعلنا نومكم سباتا ) [3] أي راحة لأجسادكم ، وهو مصدر من قول القائل : سبت فلان يسبت سبتا . وقد قيل إنه سمي سبتا لان الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة ، وهو اليوم الذي قبله ، من خلق جميع خلقه .
وقوله : ( كونوا قردة خاسئين ) أي صيروا كذلك . والخاسئ : المبعد المطرود كما يخطأ الكلب ، يقال منه : خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا ، وهو يخسأ خسوءا ، قال : ويقال خسأته فخسأ ، وانخسأ ، ومنه قول الراجز :
كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ [4] يعني إن طردته انطرد ذليلا صاغرا . فكذلك معنى قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) أي مبعدين من الخير أذلاء صغراء . كما :
956 - حدثنا بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال : صاغرين .