معنى قوله : وكنتم أمواتا : أموات الذكر خمولا في أصلاب آبائكم نطفا لا تعرفون ولا تذكرون ، فأحياكم بانشائكم بشرا سويا ، حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم ، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون ، ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة ، ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك ، كما قال : ثم إليه ترجعون لان الله جل ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم ، ثم يحشرهم لموقف الحساب ، كما قال جل ذكره : يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون وقال : ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون .
والعلة التي من أجلها اخترنا هذا التأويل ، ما قد قدمنا ذكره للقائلين به وفساد ما خالفه بما قد أوضحناه قبل . وهذه الآية توبيخ من الله جل ثناؤه للقائلين : آمنا بالله وباليوم الآخر الذين أخبر الله عنهم أنهم مع قيلهم ذلك بأفواههم غير مؤمنين به ، وأنهم إنما يقولون ذلك خداعا لله وللمؤمنين . فعذلهم الله بقوله : كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ووبخهم واحتج عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك ، وجحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة فقال : كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته على إحيائكم بعد إماتتكم وإعادتكم بعد إفنائكم وحشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم . ثم عدد ربنا عليهم وعلى أوليائهم من أحبار اليهود الذين جمع بين قصصهم وقصص المنافقين في كثير من آي هذه السورة التي افتتح الخبر عنهم فيها بقوله : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون : نعمه التي سلفت منه إليهم وإلى آبائهم التي عظمت منهم مواقعها ، ثم سلب كثيرا منهم كثيرا منها بما ركبوا من الآثام واجترموا من الاجرام وخالفوا من الطاعة إلى المعصية ، يحذرهم بذلك تعجيل العقوبة لهم كالتي عجلها للاسلاف والافراط قبلهم ، ويخوفهم حلول مثلاته بساحتهم كالذي أحل بأوليهم ، ويعرفهم مالهم من النجاة في سرعة الأوبة إليه ، وتعجيل التوبة من الخلاص لهم يوم القيامة من العقاب . فبدأ بعد تعديده عليهم ما عدد من نعمه التي هم فيها مقيمون بذكر أبينا وأبيهم آدم أبي البشر ، صلوات الله عليه ، وما سلف منه من كرامته إليه وآلائه لديه ، وما أحل به وبعدوه إبليس من