لهم على صدقهم . قالوا : ونقضهم ذلك تركهم الاقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة ، وتكذيبهم الرسل والكتب ، مع علمهم أن ما أتوا به حق .
وقال آخرون : العهد الذي ذكره الله جل ذكره ، هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم ، الذي وصفه في قوله : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الآيتين ، ونقضهم ذلك ، تركهم الوفاء به .
وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك ، قول من قال : إن هذه الآيات نزلت في كفار أحبار اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله ( ص ) ، وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل ، ومن كان على شركه من أهل النفاق الذين قد بينا قصصهم فيما مضى من كتابنا هذا . وقد دللنا على أن قول الله جل ثناؤه : إن الذين كفروا سواء عليهم وقوله : ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر فيهم أنزلت ، وفيمن كان على مثل الذي هم عليه من الشرك بالله . غير أن هذه الآيات عندي وإن كانت فيهم نزلت ، فإنه معني بها كل من كان على مثل ما كانوا عليه من الضلال ، ومعني بما وافق منها صفة المنافقين خاصة جميع المنافقين ، وبما وافق منها صفة كفار أحبار اليهود جميع من كان لهم نظيرا في كفرهم .
وذلك أن الله جل ثناؤه يعم أحيانا جميعهم بالصفة لتقديمه ذكر جميعها في أول الآيات التي ذكرت قصصهم ، ويخص أحيانا بالصفة بعضهم لتفصيله في أول الآيات بين فريقيهم ، أعني فريق المنافقين من عبدة الأوثان وأهل الشرك بالله ، وفريق كفار أحبار اليهود ، فالذين ينقضون عهد الله : هم التاركون ما عهد الله إليهم من الاقرار بمحمد ( ص ) وبما جاء به وتبيين نبوته للناس الكاتمون بيان ذلك بعد علمهم به وبما قد أخذ الله عليهم في ذلك ، كما قال الله جل ذكره : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم ونبذهم ذلك وراء ظهورهم : هو نقضهم العهد الذي عهد إليهم في التوراة الذي وصفناه ، وتركهم العمل به .
وإنما قلت : إنه عنى بهذه الآيات من قلت إنه عنى بها ، لان الآيات من ابتداء الآيات الخمس والست من سورة البقرة فيهم نزلت إلى تمام قصصهم ، وفي الآية التي بعد الخبر عن خلق آدم وأبنائه في قوله : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا