قال أبو جعفر : لا أنه جل ذكره قصد الخبر عن عين البعوضة أنه لا يستحيي من ضرب المثل بها ، ولكن البعوضة لما كانت أضعف الخلق كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : البعوضة أضعف ما خلق الله .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج بنحوه . خصها الله بالذكر في القلة ، فأخبر أنه لا يستحيي أن يضرب أقل الأمثال في الحق وأحقرها وأعلاها إلى غير نهاية في الارتفاع جوابا منه جل ذكره لمن أنكر من منافقي خلقه ما ضرب لهم من المثل بموقد النار والصيب من السماء على ما نعتهما به من نعتهما .
فإن قال لنا قائل : وأين ذكر نكير المنافقين الأمثال التي وصفت الذي هذا الخبر جوابه ، فنعلم أن القول في ذلك ما قلت ؟ قيل : الدلالة على ذلك بينها جل ذكره في قوله :
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا وأن القوم الذين ضرب لهم الأمثال في الآيتين المقدمتين ، اللتين مثل ما عليه المنافقون مقيمون فيهما بموقد النار وبالصيب من السماء على ما وصف من ذلك قبل قوله :
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا قد أنكروا المثل وقالوا : ماذا أراد الله بهذا مثلا ، فأوضح خطأ قيلهم ذلك ، وقبح لهم ما نطقوا به وأخبرهم بحكمهم في قيلهم ما قالوا منه ، وأنه ضلال وفسوق ، وأن الصواب والهدى ما قاله المؤمنون دون ما قالوه .
وأما تأويل قوله : إن الله لا يستحيي فإن بعض المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى : إن الله لا يستحيي إن الله لا يخشى أن يضرب مثلا ، ويستشهد على ذلك من قوله بقول الله تعالى : وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ويزعم أن معنى ذلك : وتستحي الناس والله أحق أن تستحيه فيقول : الاستحياء بمعنى الخشية ، والخشية بمعنى الاستحياء .
وأما معنى قوله : أن يضرب مثلا فهو أن يبين ويصف ، كما قال جل ثناؤه :
ضرب لكم مثلا من أنفسكم بمعنى وصف لكم ، وكما قال الكميت :