له لان الله جل ثناؤه لا يكلف عبدا فرضا من فرائضه إلا بعد تبيينه له وإقامة الحجة عليه به . ولو كان معنى ذلك معنى مسألته البيان ، لكان قد أمر أن يدعو ربه أن يبين له ما فرض عليه ، وذلك من الدعاء خلف لأنه لا يفرض فرضا إلا مبينا لمن فرضه عليه ، أو يكون أمر أن يدعو ربه أن يفرض عليه الفرائض التي لم يفرضها . وفي فساد وجه مسألة العبد ربه ذلك ما يوضح عن أن معنى : اهدنا الصراط المستقيم غير معنى بين لنا فرائضك وحدودك ، أو يكون ظن أنه أمر بمسألة ربه الزيادة في المعونة والتوفيق . فإن كان ذلك كذلك ، فلن تخلو مسألته تلك الزيادة من أن تكون مسألة للزيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله ، أو على ما يحدث . وفي ارتفاع حاجة العبد إلى المعونة على ما قد تقضى من عمله ما يعلم أن معنى مسألة تلك الزيادة إنما هو مسألته الزيادة لما يحدث من عمله . وإذا كان ذلك كذلك صار الامر إلى ما وصفنا وقلنا في ذلك من أنه مسألة العبد ربه التوفيق لأداء ما كلف من فرائضه فيما يستقبل من عمره . وفي صحة ذلك فساد قول أهل القدر الزاعمين أن كل مأمور بأمر أو مكلف فرضا ، فقد أعطي من المعونة عليه ما قد ارتفعت معه في ذلك الفرض حاجته إلى ربه لأنه لو كان الامر على ما قالوا في ذلك لبطل معنى قول الله جل ثناؤه : إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم وفي صحة معنى ذلك على ما بينا فساد قولهم .
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : اهدنا الصراط المستقيم : أسلكنا طريق الجنة في المعاد ، أي قدمنا له وامض بنا إليه ، كما قال جل ثناؤه : فاهدوهم إلى صراط الجحيم أي أدخلوهم النار كما تهدى المرأة إلى زوجها ، يعني بذلك أنها تدخل إليه ، وكما تهدى الهدية إلى الرجل ، وكما تهدي الساق القدم نظير قول طرفة بن العبد :
لعبت بعدي السيول به * وجرى في رونق رهمه