نسأل الله العفو والعافية ، إنه جواد كريم . سورة التكوير * ( إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت * وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت * وإذا النفوس زوجت * وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت ) * أي : إذا حصلت هذه الأمور الهائلة ، تميز الخلق ، وعلم كل ما قدمه لآخرته ، وما أحضره فيها من خير وشر ، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة تكور الشمس ، أي : تجمع وتلف ، ويخسف القمر ، ويلقيان في النار . * ( وإذا النجوم انكدرت ) * ، أي : تغيرت ، وتناثرت من أفلاكها . * ( وإذا الجبال سيرت ) * ، أي : صارت كثيبا مهيلا ، ثم صارت كالعهن المنفوش . ثم تغيرت وصارت هباء منبثا ، وأزيلت عن أماكنها . * ( وإذا العشار عطلت ) * ، أي : عطل الناس يومئذ نفائس أموالهم ، التي كانوا يهتمون لها ويراعونها في جميع الأوقات ، فجاءهم ما يذهلهم عنها ، فنبه بالعشار وهي : النوق التي تتبعها أولادها ، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم على ما هو في معناها من كل نفيس . * ( وإذا الوحوش حشرت ) * ، أي : جمعت ليوم القيامة ، ليقتص الله من بعضها لبعض ، ويرى العباد كمال عدله ، حتى إنه يقتص للشاة الجماء ، من الشاة القرناء ، ثم يقال لها : كوني ترابا . * ( وإذا البحار سجرت ) * ، أي : أوقدت فصارت على عظمها نارا تتوقد . * ( وإذا النفوس زوجت ) * ، أي : قرن كل صاحب عمل مع نظيره ، فجمع الأبرار مع الأبرار ، والفجار مع الفجار ، وزوج المؤمنون بالحور العين ، والكافرون بالشياطين ، وهذا كقوله تعالى : * ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ) * ، * ( وسيق الذي اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) * ، * ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) * . * ( وإذا الموءودة سئلت ) * ، وهي : ما كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات ، وهن أحياء من غير سبب ، إلا خشية الفقر ، فتسأل : * ( بأي ذنب قتلت ) * ، ومن المعلوم أنها ليس لها ذنب ، ولكن هذا فيه توبيخ وتقريع لقاتليها . * ( وإذا الصحف ) * المشتملة على ما عمله العاملون من خير وشر * ( نشرت ) * ، وفرقت على أهلها ، فآخذ كتابه بيمينه ، وآخذ كتابه بشماله ، أو من وراء ظهره . * ( وإذا السماء كشطت ) * ، أي : أزيلت ، كما قال تعالى : * ( يوم تشقق السماء بالغمام ) * ، * ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) * ، * ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) * . * ( وإذا الجحيم سعرت ) * ، أي : أوقد عليها فاستعرت ، والتهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك . * ( وإذا الجنة أزلفت ) * ، أي : قربت للمتقين . * ( علمت نفس ) * ، أي : كل نفس ، لإتيانها في سياق الشرط . * ( ما أحضرت ) * ، أي : ما حضر لديها من الأعمال ، التي قدمتها كما قال تعالى : * ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) * . وهذه الأوصاف التي وصف بها يوم القيامة ، من الأوصاف التي تنزعج لها القلوب ، وتشتد من أجلها الكروب ، وترتعد الفرائص ، وتعم المخاوف ، وتحث أولي الألباب للاستعداد لذلك اليوم ، وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم ، ولهذا قال بعض السلف : من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين ، فليتدبر سورة * ( إذا الشمس كورت ) * . * ( فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم * فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشآءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) * أقسم تعالى * ( بالخنس ) * وهي من الكواكب التي تخنس ، أي : تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة الشرق ، وهي النجوم السبعة السيارة : ( الشمس ) ، و ( القمر ) ، و ( الزهرة ) ، و ( المشتري ) ، و ( المريخ ) ، و ( زحل ) ، و ( عطارد ) ، فهذه السبعة