* ( إنها لظى نزاعة للشوى ) * ، أي : النار التي تتلظى ، تنزع من شدتها للأعضاء الظاهرة والباطنة . * ( تدعو ) * إلى نفسها * ( من أدبر وتولى وجمع فأوعى ) * ، أي : أدبر عن اتباع الحق ، وأعرض عنه ، فلا غرض له فيه ، وجمع الأموال بعضها فوق بعض ، وأوعاها فلم ينفق منها ما ينفعه ، ويدفع عنه النار ، فالنار تدعو هؤلاء إلى نفسها ، وتستعد للالتهاب بهم . * ( إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دآئمون * والذين في أموالهم حق معلوم * للسآئل والمحروم * والذين يصدقون بيوم الدين * والذين هم من عذاب ربهم مشفقون * إن عذاب ربهم غير مأمون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأول ئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم بشهاداتهم قائمون * والذين هم على صلاتهم يحافظون * أول ئك في جنات مكرمون ) * وهذا الوصف للإنسان من حيث هو ، وصف طبيعته ، أنه هلوع . وفسر الهلوع بقوله : * ( إذا مسه الشر جزوعا ) * فيجزع إن أصابه فقر أو مرض ، أو ذهاب محبوب له ، من مال أو أهل أو أولد ، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله . * ( وإذا مسه الخير منوعا ) * ، فلا ينفق مما آتاه الله ، ولا يشكر الله على نعمه وبره ، فيجزع في الضراء ، ويمنع في السراء . * ( إلا المصلين ) * الموصوفين بتلك الأوصاف ، فإنهم إذا مسهم الخير ، شكروا الله وأنفقوا مما خولهم ، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا . وقوله في وصفهم : * ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) * ، أي : مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها . وليسوا كمن لا يفعلها ، أو يفعلها وقتا دون وقت ، أو يفعلها على وجه ناقص . * ( والذين في أموالهم حق معلوم ) * من زكاة وصدقة * ( للسائل ) * الذي يتعرض للسؤال ، * ( والمحروم ) * وهو : المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه . * ( والذين يصدقون بيوم الدين ) * ، أي : يؤمنون بما أخبر به الله ، وأخبرت به الرسل ، من الجزاء والبعث ، ويتيقنون ذلك ، فيستعدون للآخرة ، ويسعون لها سعيها . والتصديق بيوم الدين ، يلزم منه التصديق بالرسل ، وبما جاءوا به من الكتب . * ( والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ) * ، أي : خائفون وجلون ، فيتركون لذلك تكل ما يقربهم من عذاب الله . * ( إن عذاب ربهم غير مأمون ) * ، أي : هو العذاب الذي يخشى ويحذر . * ( والذين هم لفروجهم حافظون ) * فلا يطأون بها وطئا محرما ، من زنى ، أو لواط ، أو وطء في دبر ، أو حيض ، ونحو ذلك . ويحفظونها أيضا من النظر إليها ومسها ، ممن لا يجوز له ذلك ، ويتركون أيضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة . * ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) * ، أي : سرياتهم * ( فإنهم غير ملومين ) * في وطئهن ، في المحل الذي هو محل الحرث . * ( فمن ابتغى وراء ذلك ) * ، أي : غير الزوجة ، وملك اليمين ، * ( فأولئك هم العادون ) * ، أي : المتجاوزون ما أحل الله إلى ما حرم الله . ودلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة ، لكونها غير زوجة مقصودة ، ولا ملك يمين . * ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) * ، أي : مراعون لها ، حافظون مجتهدون على أدائها ، والوفاء بها . وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه ، كالتكاليف السرية التي لا يطلع عليها إلا الله ، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق ، في الأموال والأسرار . وكذلك العهد ، شامل للعهد الذي عاهد عليه الله ، والعهد الذي عاهد الخلق عليه ، فإن العهد يسأل عنه العبد ، هل قام به ووفاه ، أم رفضه وخانه ، فلم يقم به ؟ * ( والذين هم بشهاداتهم قائمون ) * ، أي : لا يشهدون إلا بما يعلمونه ، من غير زيادة ولا نقص ، ولا كتمان ، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه ، ويكون القصد بإقامتها ، وجه الله . قال تعالى : * ( وأقيموا الشهادة لله ) * ، * ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) * . * ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) * بالمداومة عليها على أكمل الوجوه . * ( أولئك ) * ، أي : الموصوفون بتلك الصفات * ( في جنات مكرمون ) * ، أي : قد أوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم ، ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون .