وأخفى ) * . ومن معاني اللطيف ، أنه الذي يلطف بعبده ووليه ، فيسوق إليه البر والإحسان ، من حيث لا يشعر ، ويعصمه من الشر ، من حيث لا يحتسب ، ويرقيه إلى أعلى المراتب ، بأسباب لا تكون من العبد على بال ، حتى إنه يذيقه المكاره ، ليوصله بها ، إلى المحاب الجليلة ، والمطالب النبيلة . * ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) * أي : هو الذي سخر لكم الأرض ، وذللها ، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم ، من غرس وبناء ، وحرث ، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية ، والبلدان الشاسعة . * ( فامشوا في مناكبها ) * ، أي : لطلب الرزق والمكاسب . * ( وكلوا من رزقه وإليه النشور ) * ، أي : بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانا ، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة ، تبعثون بعد موتكم ، وتحشرون إلى الله ، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة . * ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير * ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ) * هذا تهديد ووعيد ، لمن استمر في طغيانه وتعديه ، وعصيانه الموجب للنكال ، وحلول العقوبة ، فقال : * ( أأمنتم من في السماء ) * وهو الله تعالى ، العالي على خلقه . * ( أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ) * بكم وتضطرب ، حتى تهلكوا وتتلفوا . * ( أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ) * ، أي : عذابا من السماء ، يحصبكم ، وينتقم الله منكم * ( فستعلمون كيف نذير ) * ، أي : كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب . فلا تحسبوا أن أمنكم من أن يعاقبكم بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم ، فستجدون عاقبة أمركم ، سواء طال عليكم الأمد أو قصر . فإن من قبلكم ، كذبوا كما كذبتم ، فأهلكهم الله تعالى ، فانظروا كيف إنكار الله عليهم ، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الآخرة ، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم . * ( أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحم ن إنه بكل شيء بصير ) * وهذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير ، التي سخرها الله ، وسخر لها الجو والهواء ، تصف فيه أجنحتها للطيران ، وتقبضها للوقوع ، فتظل سابحة في الجو ، مترددة فيه ، بحسب إرادتها وحاجتها . * ( ما يمسكهن إلا الرحمن ) * فإنه الذي سخر لهن الجو ، وجعل أجسادها وخلقتها ، في حالة مستعدة للطيران . فمن نظر في حالة الطير ، واعتبر فيها ، دلته على قدرة الباري ، وعنايته الربانية ، وأنه الواحد الأحد ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له . * ( إنه بكل شيء بصير ) * ، فهو المدبر لعباده ، بما يليق بهم ، وتقتضيه حكمته . * ( أمن ه ذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحم ن إن الكافرون إلا في غرور * أمن ه ذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور ) * يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره ، المعرضين عن الحق : * ( أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ) * ، أي : ينصركم ، إذا أراد الرحمن بكم سوءا ، فيدفعه عنكم ؟ أي : من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن ؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل ، وغيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد ، لم ينفعوه بمثقال ذرة ، على أيدي أي عدو كان . فاستمرار الكافرين على كفرهم ، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن ، غرور وسفه . * ( أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ) * ، أي : الرزق كله من الله ، فلو أمسك عنكم الرزق ، فمن الذي يرسله لكم ؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم ، فكيف بغيرهم ؟ فالرزاق المنعم ، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه ، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة . ولكن الكافرين * ( لجوا ) * ، أي : استمروا * ( في عتو ) * ، أي : قسوة وعدم لين للحق * ( ونفور ) * ، أي : شرود عن الحق . * ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) * أي : أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائها في الضلال ، غارقا في الكفر قد انتكس قلبه ، فصار الحق عنده باطلا ، والباطل حقا ؟ أو من كان عالما بالحق ، مؤثرا له ، عاملا يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله ، وجميع أحواله ؟ فبمجرد النظر إلى حال الرجلين ، يعلم الفرق بينهما ، والمهتدي من الضال منهما ، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال . * ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * قل هو