الله وأطيعوا الرسول ) * ، أي : في امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما ، فإن طاعة الله ، وطاعة رسوله ، مدار السعادة ، وعنوان الفلاح . * ( فإن توليتم ) * ، أي : عن طاعة الله وطاعة رسوله ، * ( فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) * ، أي : يبلغكم ما أرسل به إليكم ، بلاغا بينا واضحا ، فتقوم عليكم به الحجة ، وليس بيده من هدايتكم ، ولا من حسابكم شيء . وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله ، أو عدم ذلك ، عالم الغيب والشهادة . * ( الله لا إله إلا هو ) * ، أي : هو المستحق للعبادة والألوهية ، فكل معبود سواه باطل . * ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) * ، أي : فليعتمدوا عليه في كل أمر نابهم ، وفيما يريدون القيام به . فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الله ، ولا يتم الاعتماد على الله ، حتى يحسن العبد ظنه بربه ، ويثق به في كفايته الأمر ، الذي يعتمد عليه به ، وبحسب إيمان العبد يكون توكله ، قوة وضعفا . * ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم * إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) * هذا تحذير من الله للمؤمنين ، عن الاغترار بالأزواج والأولاد ، فإن بعضهم عدو لكم ، والعدو هو الذي يريد لك الشر ، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته ، والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد . فنصح تعالى عباده ، أن توجب لهم هذه المحبة ، الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد ، التي فيها محذور شرعي ، ورغبهم في امتثال أوامره ، وتقديم مرضاته بما عنده ، من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية ، والمحاب الغالية ، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية . ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد ، فيما هو ضرر على العبد ، والتحذير من ذلك ، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم ، أمر تعالى بالحذر منهم ، والصفح عنهم والعفو ، فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره ، فقال : * ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) * لأن الجزاء من جنس العمل . فمن عفا ، عفا الله عنه ، ومن صفح ، صفح عنه ، ومن عامل الله فيما يحب ، وعامل عباده بما يحبون ، وينفعهم ، نال محبة الله ، ومحبة عباده ، واستوثق له أمره . * ( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأول ئك هم المفلحون * إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم * عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ) * يأمر تعالى بتقواه ، التي هي امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة . فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد ، يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض الأمور ، وعجز عن بعضها ، فإنه يأتي بما قدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) . ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع ، ما لا يدخل تحت الحصر . وقوله : * ( واسمعوا ) * ، أي : اسمعوا ما يعظكم الله به ، وما يشرعه لكم ، من الأحكام واعلموا ذلك ، وانقادوا له * ( وأطيعوا ) * الله ورسوله في جميع أموركم . * ( وأنفقوا ) * من النفقات الواجبة والمستحبة ، يكن ذلك الفعل منكم * ( خيرا لأنفسكم ) * في الدنيا والآخرة ، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله ، وقبول تصائحه ، والانقياد لشرعه ، والشر كله ، في مخالفة ذلك . ولكن ثم آفة تمنع كثيرا من الناس ، من النفقة المأمور بها ، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس ، فإنها تشح بالمال ، وتحب وجوده ، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة . * ( ومن يوق شح نفسه ) * بأن تسمح بالإنفاق النافع لها * ( فأولئك هم المفلحون ) * لأنهم أدركوا المطلوب ، ونجوا من المرهوب ، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد ، ونهى عنه . فإنه إن كانت نفسه شحيحة ، لا تنقاد لما أمرت به ، ولا تخرج ما قبلها ، ( من النفقات المأمورة بها ) لم يفلح ، بل خسر الدنيا والآخرة . وإن كانت نفسه نفسا سمحة ، مطمئنة ، منشرحة لشرع الله ، طالبة لمرضاته ، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به ، ووصول معرفته إليها ، والبصيرة بأنه مرض لله ،