responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان نویسنده : عبد الرحمن بن ناصر السعدي    جلد : 1  صفحه : 851


المنقطع بهم في غير أوطانهم . وإنما قدر الله هذا التقدير ، وحصر الفيء ، في هؤلاء المعينين * ( كي لا يكون دولة ) * ، أي : مداولة واختصاصا * ( بين الأغنياء منكم ) * ، فإنه لو لم يقدره ، لتداولته الأغنياء الأقوياء ، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء ، وفي ذلك من الفساد ، ما لا يعلمه إلا الله . كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر ، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية ، والأصل العام ، فقال : * ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) * ، وهذا شامل لأصول الدين وفروعه ، وظاهره وباطنه ، وأن ما جاء به الرسول ، يتعين على العباد الأخذ به واتباعه ، ولا تحل مخالفته ، وأن نص الرسول على حكم الشيء ، كنص الله تعالى ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه ، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله . ثم أمر بتقواه ، التي بها عمارة القلوب والأرواح ، والدنيا والآخرة ، وبها السعادة الدائمة ، والفوز العظيم ، وبإضاعتها الشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي ، فقال : * ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) * على من ترك التقوى ، وآثر اتباع الهوى . ثم ذكر تعالى ، الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى أموال الفيء ، لمن قدرها له ، وأنهم حقيقون بالإعانة ، مستحقون لأن تجعل لهم ، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات ، من الديار والأوطان ، والأحباب والخلان ، والأموال ، رغبة في الله ، ومحبة لرسول الله . فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم ، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ، والعبادات الشاقة ، بخلاف من ادعى الإيمان ، وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات ، وبين أنصارهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنعوه من الأحمر والأسود ، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون ، ويلجأ إليه المهاجرون ، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر . فلم يزل أنصار الدين يأوون إلى الأنصار ، حتى انتشر الإسلام ، وقوي ، وجعل يزداد شيئا فشيئا ، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن ، والبلدان بالسيف والسنان . الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم * ( يحبون من هاجر إليهم ) * ، وهذا لمحبتهم لله ورسوله ، وأحبوا أحبابه ، أحبوا من نصر دينه . * ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) * ، أي : لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله ، وخصهم به ، من الفضائل والمناقب ، التي هم أهلها ، وهذا يدل على سلامة صدورهم ، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها . ويدل ذلك على أن المهاجرين أفضل من الأنصار ، لأن الله قدمهم بالذكر ، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، فدل على أن الله تعالى ، آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم ، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة . وقوله : * ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) * ، أي : ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم ، وتميزوا بها عمن سواهم ، الإيثار ، وهو أكمل أنواع الجود ، وهو الإيثار بمحاب النفس ، من الأموال وغيرها ، وبذلها للغير مع الحاجة إليها ، بل مع الضرورة والخصاصة . وهذا لا يكون إلا من خلق زكي ، ومحبة لله تعالى ، مقدمة على شهوات النفس ولذاتها ، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه ، حين آثر ضيفه بطعامه ، وطعام أهله وأولاده ، وباتوا جياعا . والإيثار عكسه الأثرة ، فالإيثار محمود ، والأثرة مذمومة ، لأنها من خصال البخل والشح . ومن رزق الإيثار ، فقد وقي شح نفسه * ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) * ، ووقاية شح النفس ، يشمل وقايتها الشح ، في جميع ما أمر به ، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه ، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله ، ففعلها طائعا منقادا ، منشرحا بها صدره ، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه ، وإن كان محبوبا للنفس ، تدعو إليه وتتطلع إليه . وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته ، وبذلك يحصل الفلاح والفوز . بخلاف من لم يوق شح نفسه ، بل ابتلي بالشح بالخير ، الذي هو أصل الشر ومادته . فهذان الصنفان الفاضلان الزكيان ، هم الصحابة الكرام ، والأئمة الأعلام ، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ، ما سبقوا به من بعدهم ، وأدركوا به من قبلهم ، فصاروا أعيان المؤمنين ، وسادات المسلمين ، وقادات المتقين . وحسب من بعدهم من الفضل أن يسير خلفهم ، ويأتم بهداهم ، ولهذا ذكر الله من اللاحقين ، من هو مؤتم بهم ، فقال : * ( والذين جاءوا من بعدهم ) * ، أي : من بعد المهاجرين

نام کتاب : تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان نویسنده : عبد الرحمن بن ناصر السعدي    جلد : 1  صفحه : 851
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست