رقبة من قبل أن يتمآسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتمآسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم ) * نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار ، اشتكته زوجته إلى الله ، وجادلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه ، بعد الصحبة الطويلة ، والأولاد ، وكان هو رجلا شيخا كبيرا . فشكت حالها وحاله إلى الله ، وإلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وكررت ذلك ، وأبدت فيه وأعادت . فقال تعالى : * ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ) * ، أي : تخاطبكما فيما بينكما . * ( إن الله سميع ) * لجميع الأصوات ، في جميع الأوقات ، على تفنن الحاجات . * ( بصير ) * يبصر دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . وهذا إخبار عن كمال سمعه وبصره ، وإحاطتهما بالأمور الدقيقة والجليلة ، وفي ضمن ذلك الإشارة بأن الله سيزيل شكواها وبلواها ، ولهذا ذكر حكمها ، وحكم غيرها على وجه العموم ، فقال : * ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) * . المظاهرة من الزوجة : أن يقول الرجل لزوجته : ( أنت علي كظهر أمي ) ، أو غيرها من محارمه ، أو : ( أنت علي حرام ) ، وكان المعتاد عندهم في هذا اللفظ ( الظهر ) ولهذا سماه الله ( ظهارا ) فقال : * ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ) * ، أي : كيف يتكلمون بهذا الكلام ، الذي يعلمون أنه لا حقيقة له ، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنهم ؟ ولهذا عظم الله أمره ، وقبحه ، فقال : * ( وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) * ، أي : قولا شنيعا ، وكذبا . * ( وإن الله لعفو غفور ) * عمن صدر منه بعض المخالفات ، فتداركها بالتوبة النصوح . * ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) * ، اختلف العلماء في معنى العود ، فقيل : معناه العزم على جماع من ظاهر منها ، وأنه بمجرد عزمه ، تجب عليه الكفارة المذكورة ، ويدل على هذا أن الله تعالى ذكر في الكفارة ، أنها تكون قبل المسيس ، وذلك إنما يكون بمجرد العزم ، وقيل : معناه حقيقة الوطء ، ويدل عليه أن الله قال : * ( ثم يعودون لما قالوا ) * ، والذي قالوا إنما هو الوطء . وعلى كل من القولين * ( ف ) * إذا وجد العود ، صار كفارة هذا التحريم * ( تحرير رقبة مؤمنة ) * كما قيدت في آية القتل ، ذكر أو أنثى ، بشرط أن تكون سالمة من العيوب الضارة بالعمل . * ( من قبل أن يتماسا ) * ، أي : يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها ، حتى يكفر برقبة . * ( ذلكم ) * الحكم الذي ذكرناه لكم ، * ( توعظون به ) * ، أي : يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به ، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب ، فالذي يريد أن يظاهر ، إذا ذكر أن عليه عتق رقبة ، كف نفسه عنه . * ( والله بما تعملون خبير ) * فيجازى كل عامل بعمله . * ( فمن لم يجد ) * رقبة يعتقها ، بأن لم يجدها ، أو لم يجد ثمنها * ( ف ) * ( عليه ) * ( صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) * * ( فمن لم يستطع ) * ( الصيام ) * ( فإطعام ستين مسكينا ) * . إما أن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم ، كما هو قول كثير من المفسرين . وإما أن يطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطر كما هو قول طائفة أخرى . ذلك الحكم الذي بيناه لكم ، ووصحناه * ( لتؤمنوا بالله ورسوله ) * وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام والعمل به . فإن التزام أحكام الله ، والعمل بها من الإيمان ، بل هي المقصودة ، ويزداد بها الإيمان ، ويكمل وينمو . * ( وتلك حدود الله ) * التي تمنع من