أعظم وأشق ، وأكبر من كل ما يتوهم ، أو يدور في الخيال . * ( إن المجرمين ) * ، أي : الذين أكثروا من فعل الجرائم ، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره ، من المعاصي * ( في ضلال وسعر ) * ، أي : هم ضالون في الدنيا ، ضلال عن العلم ، وضلال عن العمل ، الذي ينجيهم من العذاب ، ويوم القيامة من العذاب الأليم ، والنار التي تستعر بهم ، وتشتعل في أجسامهم ، حتى تبلغ أفئدتهم . * ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) * التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء ، وألمها أشد من غيرها ، فيهانون بذلك ، ويخزون ، ويقال لهم : * ( ذوقوا مس سقر ) * ، أي : ذوقوا ألم النار وأسفها ، وغيظها ولهبها . * ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) * وهذا شامل للمخلوقات ، والعوالم العلوية والسفلية ، إن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ، ولا مشاركة في خلقه . وخلقها بقضاء سبق به علمه ، وجرى به قلمه ، بوقتها ومقدارها ، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف ، وذلك على الله يسير ، فلهذا قال : * ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) * فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد ، كلمح البصر ، من غير ممانعة ولا صعوبة . * ( ولقد أهلكنا أشياعكم ) * من الأمم السابقين الذين عملوا كما عملتم ، وكذبوا كما كذبتم * ( فهل من مدكر ) * ، أي : متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة ، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار فإن هؤلاء مثلهم ، ولا فرق بين الفريقين . * ( وكل شيء فعلوه في الزبر ) * ، أي : كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب عليهم في الكتب القدرية * ( وكل صغير وكبير مستطر ) * ، أي : مسطر مكتوب . وهذه حقيقة القضاء والقدر ، وأن جميع الأشياء كلها ، قد علمها الله تعالى ، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . * ( إن المتقين ) * لله ، بفعل أوامره ، وترك نواهيه ، الذي اتقوا الشرك والكبائر والصغائر . * ( في جنات ونهر ) * ، أي : في جنات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من الأشجار اليانعة ، والأنهار الجارية ، والقصور الرفيعة ، والمنازل الأنيقة ، والمآكل والمشارب اللذيذة ، والحور الحسان ، والروضات البهيات في الجنان ، ورضا الملك الديان ، والفوز بقربه ، ولهذا قال : * ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) * فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده ، ويمدهم به من إحسانه ومنته . جعلنا الله منهم ، ولا حرمنا خير ما عنده ، بشر ما عندنا . تم تفسير سورة القمر والحمد لله سورة الرحمن * ( الرحم ن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان * والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام * والحب ذو العصف والريحان * فبأي آلاء ربكما تكذبان ) * هذه السورة الكريمة الجليلة ، افتتحها باسمه ( الرحمن ) الدال على سعة رحمته ، وعموم إحسانه ، وجزيل بره ، وواسع فضله . ثم ذكر ما يدل على رحمته وأثرها ، الذي أوصله الله إلى عباده من النعم الدينية والدنيوية والأخروية . وبعد كل جنس ونوع من نعمه ، ينبه الثقلين لشكره ، ويقول : * ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) * . فذكر أنه * ( علم القرآن ) * ، أي : علم عباده ألفاظه ومعانيه ، ويسرها على عباده ، وهذا أعظم منة ورحمة ، رحم بها العباد ، حيث أنزل عليهم قرآنا عربيا أحسن الألفاظ ، وأوضح المعاني ، مشتمل على كل خير ، زاجر عن كل شر . * ( خلق الإنسان ) * في أحسن تقويم كامل الأعضاء ، مستوفى الأجزاء ، محكم البناء ، قد أتقن البارىء تعالى البديع خلقه أي إتقان ، وميزه على سائر الحيوانات . بأن * ( علمه البيان ) * ، أي : التبين عما في ضميره ، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي ، فالبيان الذي ميز الله به الآدمي على غيره من أجل نعمه ، وأكبرها عليه . * ( الشمس والقمر بحسبان ) * ، أي : خلق الله الشمس والقمر ، وسخرهما يجريان بحساب مقنن ، وتقدير مقدر ،