فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون * فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم * فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم * قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم * قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين * فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيهآ آية للذين يخافون العذاب الأليم ) * يقول تعالى : * ( هل أتاك ) * ، أي : أما جاءك * ( حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) * ، ونبأهم الغريب العجيب ، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم بالمرور على إبراهيم ، فجاءوه في صورة أضياف . * ( إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ، قال ) * مجيبا لهم * ( سلام ) * ، أي : عليكم * ( قوم منكرون ) * ، أي : أنتم قوم منكرون ، فأحب أن تعرفوني بأنفسكم ، ولم يعرفهم إلا بعد ذلك . * ( فراغ إلى أهله ) * ، أي : ذهب سريعا في خفية ، ليحضر لهم قراهم . * ( فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم ) * وعرض عليهم الأكل . * ( قل ألا تأكلون * فأوجس منهم خيفة ) * حين رأى أيديهم لا تصل إليه . * ( قالوا لا تخف ) * وأخبروه بما جاءوا له * ( وبشروه بغلام عليم ) * وهو : إسحاق عليه السلام . * ( ف ) * لما سمعت المرأة البشارة * ( أقبلت ) * فرحة مستبشرة * ( في صرة ) * ، أي : صيحة * ( فصكت وجهها ) * وهذا من جنس ما يجري للنساء عند السرور ونحوه ، من الأقوال والأفعال المخالفة للطبيعة والعادة . * ( وقالت عجوز عقيم ) * ، أي : أنى لي الولد ، وأنا عجوز ، قد بلغت من السن ، ما لا تلد معه النساء ، ومع ذلك ، فأنا عقيم ، غير صالح رحمي للولادة أصلا فثم مانعان ، كل منهما مانع من الولد . وقد ذكرت المانع الثالث في سورة هود في قولها : * ( وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ) * . * ( قالوا كذلك قال ربك ) * ، أي : الله الذي قدر ذلك وأمضاه ، فلا عجب في قدرة الله . * ( إنه هو الحكيم العليم ) * ، أي : الذي وضع الأشياء مواضعها ، وقد وسع كل شيء علما فسلموا لحكمه ، واشكروه على نعمته . * ( قال فما خطبكم أيها المرسلون ) * ، أي : قال لهم إبراهيم عليه السلام : ما شأنكم أيها المرسلون ؟ وماذا تريدون ؟ لأنه استشعر أنهم رسل ، أرسلهم الله لبعض الشؤون المهمة . * ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) * وهم قوم لوط ، قد أجرموا بإشراكهم بالله ، وتكذبيهم لرسولهم ، وإتيانهم الفاحشة ، التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين . * ( لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين ) * ، أي : معلمة ، على كل حجر اسم صاحبه ، لأنهم أسرفوا ، وتجاوزوا الحد . فجعل إبراهيم يجادلهم في قوم لوط ، لعل الله يدفع عنهم العذاب ، فقيل له : * ( يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ) * . * ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) * وهم بيت لوط عليه السلام ، إلا امرأته ، فإنها من المهلكين . * ( وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) * يعتبرون بها ويعلمون ، أن الله شديد العقاب ، وأن رسله صادقون ، مصدقون . فصل في ذكر بعض ما تضمنته هذه القصة من الحكم والأحكام منها : أن من الحكمة ، أن قص الله على عباده ، نبأ الأخيار والفجار ، ليعتبروا بهم ، وأين وصلت بهم الأحوال . ومنها : فضيلة إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، حيث ابتدأ الله قصته ، بما يدل على الاهتمام بشأنها ، والاعتناء بها . ومنها : مشروعية الضيافة ، وأنها من سنن إبراهيم الخليل ، الذي أمر الله محمدا وأمته ، أن يتبعوا ملته ، وساقها الله في هذا الموضع ، على وجه المدح له والثناء . ومنها : أن الضيف يكرم بأنواع الإكرام ، بالقول والفعل ، لأن الله وصف أضياف إبراهيم بأنهم مكرمون ، أي : أكرمهم إبراهيم ، ووصف الله ما صنع بهم من الضيافة قولا وفعلا ، ومكرمون أيضا عند الله . ومنها : أن إبراهيم عليه السلام ، قد كان بيته ، مأوى للطارقين والأضياف ، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان ، وإنما سلكوا طريق الأدب ، في ابتداء السلام ، فرد عليإم إبراهيم سلاما ، أكمل من سلامهم وأتم ، لأنه أتى به جملة اسمية دالة على الثبوت والاستمرار . ومنها : مشروعية تعرف من جاء إلى الإنسان ، أو صار له فيه نوع اتصال ، لأن في ذلك فوائد كثيرة . ومنها : أدب إبراهيم ولطفه في الكلام ، حيث قال : * ( قوم منكرون ) * ولم يقل : ( أنكرتكم ) ، وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى . ومنها : المبادرة إلى الضيافة والإسراع بها ، لأن خير البر عاجله ، ولهذا بادر إبراهيم بإحضار قرى أضيافه . ومنها : أن الذبيحة الحاضرة ، التي