عثمان ، فمر على قريش ببلدح ، فقالوا : أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله ، وإلى الإسلام ، ويخبركم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عمارا ، قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ لحاجتك . وقام إليه أبان بن سعيد ، فرحب به ، وأسرج فرسه ، فحمل عثمان على الفرس ، فأجاره ، وأردفه أبان ، حتى جاء مكة ، وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان : خلص عثمان قبلنا إلى البيت ، وطاف به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون ) ، فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص ؟ قال : ( ذاك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه ) ، واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح . فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر ، وكانت معركة ، وتراموا بالنبل والحجارة ، وصاح الفريقان كلاهما ، وارتضى كل واحد من الفريقين بمن فيهم ، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعة . فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نفسه ، وقال : ( هذه عن عثمان ) ، ولما تمت البيعة ، رجع عثمان ، فقال له المسلمون : اشتفيت يا أبا عبد الله ، من الطواف بالبيت ، فقال : بئسما ظننتم بي ، والذي نفسي بيده ، ولو مكثت بها سنة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ، ما طفت بها ، حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت ، فقال المسلمون : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أعلمنا بالله ، وأحسننا ظنا . وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة تحت الشجرة ، فبايعه المسلمون كلهم إلا الجد بن قيس ، وكان معقل بن يسار ، أخذ بغصنها ، يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أول من بايعه ، أبو سنان الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع ، ثلاث مرات ، في أول الناس ، وأوسطهم ، وآخرهم . فبينما هم كذلك ، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي ، في نفر من خزاعة ، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أهل تهامة ، فقال : إني تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنا لم نجىء لقتال أحد ، ولكن جئنا معتمرين ، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاؤوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس ، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما الناس ، فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن أبوا إلا القتال ، فوالذي نفسي بيده ، لأقاتلنهم على أمري هذا ، حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره ) ، قال بديل : سأبلغهم ما تقول . فانطلق حتى أتى قريشا ، فقال : إني قد جئتكم من عند هذا الرجل ، وسمعته يقول قولا ، فإن شئتم عرضته عليكم ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء ، وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فقال عروة بن مسعود الثقفي : إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد ، فاقبلوها ، ودعوني آته ، فقالوا : ائته . فأتاه ، فجعل يكلمه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل ، فقال له عروة عند ذلك : أي محمد ، أرأيت لو استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس ، خليقا أن يفروا ، ويدعوك ، فقال له أبو بكر : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟ قال : من ذا ؟ قال : أبو بكر ، قال : أما والذي نفسي بيده ، لولا يد كانت لك عندي ، لم أجزك بها ، لأجبتك . وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما كلمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيف ، وعليه المغفر . فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ، ضرب يده بنعل السيف ، وقال : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه ، وقال : من ذا ؟ قال : المغيرة بن شعبة ، فقال : أي غدر ، أو لست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة صحب قوما ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما الإسلام فأقبل ، وأما المال ، فلست منه في شيء ) . ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة ، إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها جلده ووجهه . وإذا أمرهم ابتدروا إلى أمره ، وإذا توضأ ، كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم ، خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر ، تعظيما له . فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله ، لقد وفدت على الملوك : على كسرى ، وقيصر ، والنجاشي ، والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ، ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، والله ما تنخم نخامة ، إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ ، كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم ، خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر ، تعظيما له ، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها . فقال رجل من بين كنانة : دعوني آته ، فقالوا : ائته . فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له ) ، فبعثوها فاستقبله القوم يلبون ، فلما رأى ذلك ، قال : سبحان الله ، لا ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت . فرجع إلى أصحابه ، فقال : رأيت البدن قد قلدت ، وأشعرت ، وما أرى يصدون عن البيت . فقام مكرز بن