نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 269
وليس في العالم إله سواه ، ولا معبود غيره ، وأما قوله : * ( الرحمن الرحيم ) * فيدل على أن الإله الواحد الذي لا إله سواه موصوف بكمال الرحمة والكرم والفضل والإحسان قبل الموت وعند الموت وبعد الموت ، وأما قوله : * ( مالك يوم الدين ) * فيدل على أن من لوازم حكمته ورحمته أن يحصل بعد هذا اليوم يوم آخر يظهر فيه تمييز المحسن عن المسئ ، ويظهر فيه الانتصاف للمظلومين من الظالمين ، ولو لم يحصل هذا البعث والحشر لقدح ذلك في كونه رحماناً رحيماً ، إذا عرفت هذا ظهر أن قوله : * ( الحمد لله ) * يدل على وجود الصانع المختار ، وقوله : * ( رب العالمين ) * يدل على وحدانتيه ، وقوله : * ( الرحمن الرحيم ) * يدل على رحمته في الدنيا والآخرة ، وقوله : * ( مالك يوم الدين ) * يدل على كمال حكمته ورحمته بسبب خلق الدار الآخرة . وإلى ههنا تم ما يحتاج إليه في معرفة الربوبية . أما قوله : * ( إياك نعبد ) * - إلى آخر السورة فهو إشارة إلى الأمور التي لا بدّ من معرفتها في تقرير العبودية ، وهي محصورة في نوعين : الأعمال التي يأتي بها العبد ، والآثار المتفرعة على تلك الأعمال : أما الأعمال التي يأتي بها العبد فلها ركنان : أحدهما : إتيانه بالعبادة وإليه الإشارة بقوله : * ( إياك نعبد ) * . والثاني : علمه بأن لا يمكنه الإتيان بها إلا بإعانة الله وإليه الإشارة بقوله : * ( وإياك نستعين ) * وههنا ينفتح البحر الواسع في الجبر والقدر ، وأما الآثار المتفرعة على تلك الأعمال فهي حصول الهداية والانكشاف والتجلي ، وإليه الإشارة بقوله : * ( اهدنا الصراط المستقيم ) * ثم إن أهل العالم ثلاث طوائف : الطائفة الأولى : الكاملون المحقون المخلصون ، وهم الذين جمعوا بين معرفة الحق لذاته ، ومعرفة الخير لأجل العمل به ، وإليهم الإشارة بقوله : * ( أنعمت عليهم ) * . والطائفة الثانية : الذين أخلوا بالأعمال الصالحة ، وهم الفسقة وإليهم الإشارة بقوله : * ( غير المغضوب عليهم ) * . والطائفة الثالثة : الذين أخلوا بالاعتقادات الصحيحة ، وهم أهل البدع والكفر ، وإليهم الإشارة بقوله : * ( ولا الضالين ) * . إذا عرفت هذا فنقول : استكمال النفس الإنسانية بالمعارف والعلوم على قسمين : أحدهما : أن يحاول تحصيلها بالفكر والنظر والاستدلال ، والثاني : أن تصل إليه محصولات المتقدمين فتستكمل نفسه ، وقوله : * ( إهدنا الصراط المستقيم ) * إشارة إلى القسم الأول ، وقوله : * ( صراط الذين أنعمت عليهم ) * إشارة إلى القسم الثاني ، ثم في هذا القسم طلب أن يكون اقتداؤه بأنوار عقول الطائفة المحقة الذين جمعوا بين العقائد الصحيحة والأعمال الصائبة ، وتبرأ من أن يكون اقتداؤه بطائفة الذين أخلوا بالأعمال الصحيحة ، وهم المغضوب عليهم ، أو بطائفة الذين أخلوا بالعقائد الصحيحة ، وهم الضالون ، وهذا آخر السورة ، وعند الوقوف على ما لخصناه يظهر أن هذه السورة جامعة لجميع المقامات المعتبرة في معرفة الربوبية ومعرفة العبودية .
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 269