نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 256
وبعد بلوغه في المنصب إلى أعلى الغايات لأطاع كما فعله موسى مع الخضر عليهما السلام ، ولو أمر بأن يصبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القتل والتفريق نصفين لأطاع كما فعله يحيى وزكريا عليهما السلام ، فالمراد بقوله إهدنا الصراط المستقيم هو الاقتداء بأنبياء الله في الصبر على الشدائد والثبات عند نزول البلاء ؛ ولا شك أن هذا مقام شديد هائل ؛ لأن أكثر الخلق لا طاقة لهم به ، إلا أنا نقول : أيها الناس ، لا تخافوا ولا تحزنوا ، فإنه لا يضيق أمر في دين الله إلا اتسع ؛ لأن في هذه الآية ما يدل على اليسر والسهولة ؛ لأنه تعالى لم يقل صراط الذين ضربوا وقتلوا بل قال : * ( صراط الذين أنعمت عليهم ) * فلتكن نيتك عند قراءة هذه الآية أن تقول : يا إلهي ، إن والدي رأيته ارتكب الكبائر ، كما ارتكبتها وأقدم على المعاصي كما أقدمت عليها ، ثم رأيته لما قرب موته تاب وأناب فحكمت له بالنجاة من النار والفوز بالجنة فهو ممن أنعمت عليه بأن وفقته للتوبة ، ثم أنعمت عليه بأن قبلت توبته . فإنا أقول : إهدنا إلى مثل ذلك الصراط المستقيم طلباً لمرتبة التائبين ، فإذا وجدتها فاطلب الاقتداء بدرجات الأنبياء عليهم السلام ، فهذا تفسير قوله اهدنا الصراط المستقيم . الوجه الخامس : كأن الإنسان يقول في الطريق : كثرة الأحباب يجرونني إلى طريق ، والأعداء إلى طريق ثانٍ ، والشيطان إلى طريق ثالث ، وكذا القول في الشهوة والغضب والحقد والحسد ، وكذا القول في التعطيل والتشبيه والجبر والقدر والإرجاء والوعيد والرفض والخروج ، والعقل ضعيف ، والعمر قصير ، والصناعة طويلة ، والتجربة خطرة ، والقضاء عسير ، وقد تحيرت في الكل فاهدني إلى طريق أخرج منه إلى الجنة . والمستقيم : السوي الذي لا غلظ فيه . يحكى عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله ، فإذا أعرابي على ناقة له فقال : يا شيخ إلى أين ؟ فقال إبراهيم إلى بيت الله ، قال كأنك مجنون لا أرى لك مركباً ؛ ولا زاداً ، والسفر طويل ، فقال إبراهيم : إن لي مراكب كثيرة ولكنك لا تراها ، قال : وما هي ؟ قال : إذا نزلت على بلية ركبت مركب الصبر ، وإذا نزل على نعمة ركبت مركب الشكر وإذا نزل بي القضاء ركبت مركب الرضا ، وإذا دعتني النفس إلى شيء علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى فقال الأعرابي : سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الراجل . الوجه السادس : قال بعضهم : الصراط المستقيم : الإسلام ، وقال بعضهم : القرآن ، وهذا لا يصح ؛ لأن قوله : * ( صراط الذين أنعمت عليهم ) * بدل من * ( الصراط المستقيم ) * ، وإذا كان كذلك كان التقدير إهدنا صراط من أنعمت عليهم من المتقدمين ، ومن تقدمنا من الأمم
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 256