نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 246
وإياك نستعين ، ومعناه أن الله تعالى أعلى وأجل وأكبر من أن يتم مقصود من المقاصد وغرض من الأغراض إلا بإعانته وتوفيقه وإحسانه ، وهذا هو المراد من قولنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فثبت أن سورة الفاتحة من أولها إلى آخرها منطبقة على ذلك الذكر ، وآيات هذه السورة جارية مجرى الشرح والتفصيل للمراتب الخمس المذكورة في ذلك الذكر . الفائدة الثالثة : قال إياك نعبد ، فقدم قوله إياك على قوله نعبد ولم يقل نعبدك ، وفيه وجوه : أحدها : أنه تعالى قدم ذكر نفسه ليتنبه العابد على أن المعبود هو الله الحق ، فلا يتكاسل في التعظيم ولا يلتفت يميناً وشمالاً ؛ يحكى أن واحداً من المصارعين الأستاذين صارع رستاقياً جلفاً فصرع الرستاقي ذلك الأستاذ مراراً فقيل للرستاقي : إنه فلان الأستاذ ، فانصرع في الحال منه ، وما ذاك إلا لاحتشامه منه ، فكذا ههنا : عرفه ذاته أولاً حتى تحصل العبادة مع الحشمة فلا تمتزج بالغفلة . وثانيها : أنه إن ثقلت عليك الطاعات وصعبت عليك العبادات من القيام والركوع والسجود فاذكر أولاً قوله إياك نعبد لتذكرني وتحضر في قلبك معرفتي ، فإذا ذكرت جلالي وعظمتي وعزتي وعلمت أني مولاك وأنك عبدي سهلت عليك تلك العبادات ، ومثاله أن من أراد حمل الجسم الثقيل تناول قبل ذلك ما يزيده قوة وشدة ، فالعبد لما أراد حمل التكاليف الشاقة الشديدة تناول أولاً معجون معرفة الربوبية من بستوقة قوله إياك حتى يقوى على حمل ثقل العبودية ، ومثال آخر وهو أن العاشق الذي يضرب لأجل معشوقه في حضرة معشوقه يسهل عليه ذلك الضرب ، فكذا ههنا : إذا شاهد جمال إياك سهل عليه تحمل ثقل العبودية . وثالثها : قال الله تعالى : * ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) * ( الأعراف : 201 ) فالنفس إذا مسها طائف من الشيطان من الكسل والغفلة والبطالة تذكروا حضرة جلال الله من مشرق قوله إياك نعبد فيصيرون مبصرين مستعدين لأداء العبادات والطاعات . ورابعها : أنك إذا قلت نعبدك فبدأت أولاً بذكر عبادة نفسك ولم تذكر أن تلك العبادة لمن ، فيحتمل أن إبليس يقول هذه العبادة للأصنام أو للأجسام أو للشمس أو القمر ، أما إذا غيرت هذا الترتيب وقلت أولاً إياك ثم قلت ثانياً نعبد كان قولك أولاً إياك صريحاً بأن المقصود والمعبود هو الله تعالى ، فكان هذا أبلغ في التوحيد وأبعد عن احتمال الشرك . وخامسها : وهو أن القديم الواجب لذاته متقدم في الوجود على المحدث الممكن لذاته ، فوجب أن يكون ذكره متقدماً على جميع الأذكار ؛ فلهذا السبب قدم قوله إياك على قوله نعبد ليكون ذكر الحق متقدماً على ذكر الخلق . وسادسها : قال بعض المحققين : من كان نظره في وقت النعمة إلى المنعم لا إلى
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 246