نام کتاب : تفسير البحر المحيط نویسنده : أبي حيان الأندلسي جلد : 1 صفحه : 658
الراغب : فلما شبه قصة الكافرين في إعراضهم عن الداعي لهم إلى الحق بقصة الناعق ، قدم ذكر الناعق ليبني عليه ما يكون منه ومن المنعوق به . وعلى هذا * ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) * ، وقوله تعالى : * ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِى هِاذِهِ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ) * . فهذه تسعة أقوال في تفسير هذه الآية . وقد بقي شيء من الكلام عليها ، فنقول : ومثل الذين مبتدأ ، خبره كمثل ، والكاف للتشبيه . شبه الصفة بالصفة ، أي صفتهم كصفة الذي ينعق . ومن ذهب إلى أن الكاف زائدة ، فقوله ليس بشيء ، لأن الصفة ليست عين الصفة ، فلا بد من الكاف التي تعطى التشبيه . بل لو جاء دونن الكاف لكنا نعتقد حذفها ، لأن به تصحيح المعنى . والذي ينعق ، لا يراد به مفرد ، بل المراد الجنس . وتقدّم أن المراد : كالناعق بالبهائم ، أو كالمصوت في الجبال الذي لا يجيبه منها إلا الصدا ، أو كالمصوت بالأصم الأصلخ ، أو الكنعوق به ، فيكون من باب القلب . وقيل : كالمصوت بشيء بعيد منه ، فهو لا يسمع من أجل البعد ، فليس للمصوت من ذلك إلا النداء الذي ينصبه ويتعبه . وقيل : وقع التشبيه بالراعي للضأن ، لأنها من أبله الحيوان ، فهي تحمق راعيها . وفي المثل : أحمق من راعي ضأن ثمانين . وقال دريد بن الصمة لمالك بن عوف ، يوم هوازن : راعي ضأن والله ، لأنه لما جاء إلى قتال النبي صلى الله عليه وسلم ) ، أمر هوازن ومن كان معهم أن يحملوا معهم المال والنساء ، فلما لقيه دريد قال : أراك سقت المال والنساء ؟ فقال : يقاتلون عن أموالهم وحريمهم . فقال له دريد : أمنت أن تكون عليك راعي ضان والله لأصحبتك ، وقال الشاعر : * أصبحت هزءاً لراعي الضان يهزأ بي * ماذا يريبك مني راعي الضان * إلاّ دعاء ونداء : هذا استثناء مفرّغ ، لأن قبله فعل مبني متعد لم يأخذ مفعوله . وذهب بعضهم إلى أنه ليس استثناء مفرغاً وأن إلاّ زائدة ، والدعاء والنداء منفي سماعهما ، والتقدير : بما لا يسمع دعاء ولا نداء ، وهذا ضعيف ، لأن القول بزيادة إلا ، قول بلا دليل . وقد ذهب الأصمعي ، رحمه الله ، إلى ذلك في قوله : * خراجيح ما تنفك إلا مناخة * على الخسف أو نرمي بها بلداً قفرا * وضعف قوله في ذلك ، ولم يثبت زيادة إلا في مكان مقطوع به ، فنثبت لها الزيادة ، وأورد بعضهم هنا سؤالاً فقال : فإن قيل قوله لا يسمع إلا دعاء وندا ، ليس المسموع إلا الدعاء والنداء ، فكيف ذمهم بأنهم لا يسمعون إلا الدعاء ؟ وكأنه قيل : لا يسمعون إلا المسموع ، وهذا لا يجوز . فالجواب : أن في الكلام إيجاراً ، وإنما المعنى : لا يفهمون معاني ما يقال لهم ، كما لا يميز البهائم بين معاني الألفاظ التي لا تصوت بها ، وإنما يفهم شيئاً يسيراً ، وقد أدركته بطول الممارسة وكثرة المعاودة ، فكأنه قيل : ليس لهم إلا سماع النداء دون إدراك المعاني والأعراض . انتهى كلامه . وقال علي بن عيسى : إنما ثنى فقال : إلاّ دعاء ونداء ، لأن الدعاء طلب الفعل ، والنداء إجابة الصوت . * ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ ) * : تقدم الكلام على هذه الكلم . * ( فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) * : لما تقرر فقدهم لمعاني هذه الحواس ، قضى بأنهم لا يعقلون . كما قال أبو المعالي وغيره : العقل علوم ضرورية يعطيها هذه الحواس ، إذ لا بد في كسبها من الحواس . انتهى . قيل : والمراد العقل الاكتسابي ، لأن العقل المطبوع كان حاصلاً لهم ، والعقل عقلان : مطبوع ومكسوب . ولما كان الطريق لاكتساب العقل المكتسب هو الاستعانة بهذه القوى الثلاث ، كان إعراضهم عنها فقداً للعقل
نام کتاب : تفسير البحر المحيط نویسنده : أبي حيان الأندلسي جلد : 1 صفحه : 658