نام کتاب : تفسير الآلوسي نویسنده : الآلوسي جلد : 1 صفحه : 138
بعنوان الكبرياء فلقلة أولئك كانت إزارا ولكثرة هؤلاء كانت رداءا وسبحان الكبير العظيم وذكر الراغب إن أصل عظم الرجل كبر عظمه ثم استعير لكل كبير وأجرى مجراه محسوسا كان أو معقولا معنى كان أو عينا والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة والكبير يقال في المنفصلة وقد يقال فيها أيضا عظيم وهو بمعنى كبير كجيش عظيم وعظم العذاب بالنسبة إلى عذاب دونه يتخلله فتور وبهذا التخلل يصح أن يتفاضل العذابان كسوادين أحدهما أشبع من الآخر وقد تخلل الآخر ما ليس بسواد وقد ذهب المسلمون إلى أنه يحسن من الله تعالى تعذيب الكفار وهذه الآية وأمثالها شواهد صدق على ذلك وقال بعضهم لا يحسن وذكروا دلائل عقلية مبنية على الحسن والقبح العقليين فقالوا التعذيب ضرر خال عن المنفعة لأنه سبحانه منزه عن أن ينتفع بشيء والعبد يتضرر به ولو سلم انتفاعه فالله تعالى قادر أن يوصل إليه النفع من غير عذاب والضرر الخالي عن النفع قبيح بديهة وأيضا أن الكافر لا يظهر منه إلا العصيان فتكليفه متى حصل ترتب عليه العذاب وما كان مستعقبا للضرر من غير نفع قبيح فإما أن يقال لا تكليف أو تكليف ولا عذاب وأيضا هو الخالق لداعية المعصية فيقبح أن يعاقب عليها وقالوا أيضا هب أنا سلمنا العقاب فمن أين القول بالدوام وأقسى الناس قلبا إذا أخذ من بالغ في الإساءة إليه وعذبه وبالغ فيه وواظب عليه لامه كل أحد وقيل له إما أن تقتله وتريحه وإما أن تعفو عنه فإذا قبح هذا من إنسان يلتذ بالانتقام فالغني عن الكل كيف يليق به هذا الدوام وأيضا من تاب من الكفر ولو بعد حين تاب الله تعالى عليه أفترى أن هذا الكرم العظيم يذهب في الآخرة أو تسلب عقول أولئك المعذبين فلا يتوبون أو يحسن أن يقول في الدنيا * ( ادعوني أستجب لكم ) * وفي الآخرة لا يجيب دعاءهم إلا * ( اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) * بقي التمسك بالدلائل اللفظية وهي لا تفيد اليقين فلا تعارض الأدلة العقلية المفيدة له على أنا ندعي أن أخبار الوعيد في الكفار مشروطة بعدم العفو وإن لم يكن هذا الشرط مذكورا صريحا كما قال ذلك فيها من جوز العفو عن الفساق على أنه يحتمل أن تكون تلك الجمل دعائية أو أنها إخبارية لكن الإخبار عن استحقاق الوقوع لا عن الوقوع نفسه وهذا خلاصة ما ذكر في هذا الباب وبسط الإمام الرازي الكلام فيه ولم يتعقبه بما يشرح الفؤاد ويبرد الأكباد وتلك شنشنة أعرفها من أخزم ولعمري أنها شبه تمكنت في قلوب كثير من الناس فكانت لهم الخناس الوسواس فخلعوا ربقة التكليف وانحرفوا عن الدين الحنيف وهي عند المؤمنين المتمكنين كصرير باب أو كطنين ذباب فأقول * ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) * نفى العذاب مطلقا مما لم يقله أحد ممن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر حتى أن المجوس لا يقولونه مع أنهم الذين بلغوا من الهذيان أقصاه فإن عقلاءهم والعقل بمراحل عنهم زعموا أن إبليس عليه اللعنة لم يزل في الظلمة بمعزل عن سلطان الله تعالى ثم لم يزل يزحف حتى رأى النور فوثب فصار في سلطان الله تعالى وأدخل معه الآفات والشرور فخلق الله تعالى هذا العالم شبكة له فوقع فيها فصار لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه فبقي محبوسا يرمى بالآفات فمن أحياه الله تعالى أماته ومن أصحه أسقمه ومن أسره أحزمه وكل يوم ينقص سلطانه فإذا قامت القيامة وزالت قوته طرحه الله تعالى في الجو وحاسب أهل الأديان وجازاهم على طاعتهم للشيطان وعصيانهم له نعم المشهور عنهم أن الآلام الدنيوية قبيحة لذاتها ولا تحسن بوجه من الوجوه فهي صادرة عن الظلمة دون النور وبطلان مذهب هؤلاء أظهر من نار على علم ولئن سلمنا أن أحدا من الناس يقول ذلك فهو مردود وغالب الأدلة التي تذكر في هذا الباب مبني على الحسن والقبح العقليين وقد نفاهما أهل السنة والجماعة وأقاموا الأدلة على بطلانهما وشيوع ذلك
نام کتاب : تفسير الآلوسي نویسنده : الآلوسي جلد : 1 صفحه : 138