نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 6 صفحه : 177
كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له إجمالا بإدخالها على أبعدها منه إما لوجود المانع كما في قوله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإما لعدم الشرط كما في هذه الآية الكريمة ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع عداه من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشيء متى تحقق مع ما ينافيه من وجود المانع أو عدم الشرط فلأن يتحقق بدون ذلك أولى ولذلك لا يذكر معه شيء آخر من سائر الأحوال ويكتفي عنه بذكر الواو العاطفة للجملة عل نظيرتها المقابلة لها المتناولة لجميع الأحوال المغايرة لها عند تعددها وهذا معنى قولهم إنها لاستقصاء الأحوال على سبيل الإجمال وهذا أمر مطرد في الخبر الموجب والمنفي فإنك إذا قلت فلان جواد يعطي ولو كان فقيرا أو بخيل لا يعطي ولو كان غنيا تريد بيان تحقق الإعطاء في الأول وعدم تحققه في الثاني في جميع الأحوال المفروضة والتقدير يعطى لو لم يكن فقيرا ولو كان فقيرا ولا يعطى لو لم يكن غنيا ولو كان غنيا فالجملة مع ما عطفت هي عليه في حيز النصب على الحالية من المستكن في الفعل الموجب أو المنفي أي يعطى أولا يعطى كائنا على جميع الأحوال وتقدير الآية الكريمة يكاد زيتها يضيء لو مسته نار ولو لم تمسه نار أي يضيء كائنا على كل حال من وجود الشرط وعدمه وقد حذفت الجملة الأولى حسبما هو المطرد في الباب لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة « نور » خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى « على نور » متعلق بمحذوف هو صفة له مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة والجملة فذلكة للتمثيل وتصريح بما حصل منه وتمهيد لما يعقبه أي ذلك النور الذي عبر به عن القرآن ومثلت صفته العجيبة الشأن بما فصل من صفة المشكاة نور عظيم كائن على نور كذلك لا على أنه عبارة عن نور واجد معين أو غير معين فوق نور آخر مثله ولا عن مجموع نورين اثنين فقط بل عن نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه بحد معين وتحديد مراتب تضاعف ما مثل به من نور المشكاة بما ذكر لكونه أقصى مراتب تضاعفه عادة فإن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره بسبب انضمام الشعاع المنعكس منه إلى أصل الشعاع بخلاف المكان المتسع فإن الضوء ينبث فيه وينتشر والقنديل أعون شيء على الزيادة الإنارة وكذلك الزي وصفاؤه وليس وراء هذه المراتب مما يزيد نورها إشراقا ويمده بإضاءة مرتبة أخرى عادة هذا وجعل النور عبارة عن النور المشبه به مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل « يهدي الله لنوره » أي يهدي هداية خاصة موصلة إلى المطلوب حتما لذلك النور المتضاعف العظيم الشأن وإظهاره في مقام الإضمار لزيادة تقريره وتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية الناشئة من إضافته إلى ضميره عز وجل « من يشاء » هدايته من عباده بأن يوفقهم لفهم ما فيه من دلائل حقيته وكونه من عند الله تعالى من الإعجاز والاخبار عن الغيب وغير ذلك من موجبات الإيمان به وفيه إيذان بأن ماط هذه الهداية وملاكها ليس إلا مشيئته تعالى وأن تظاهر الأسباب بدونها بمعزل من الإفضاء إلى المطالب « ويضرب الله الأمثال للناس » في تضاعيف الهداية حسبما يقتضي حالهم فإن له دخلا عظيما في باب الإرشاد لأنه إبرار للمعقول في هيئة المحسوس وتصوير لأوابد المعاني بصورة المأنوس ولذلك مثل نوره المعبد به عن القرآن المبين بنور المشكاة وإظهاره الاسم الجليل في مقام الإضمار للإيذان
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 6 صفحه : 177