نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 6 صفحه : 112
خطئهم في الاستعجال المذكور ببيان كمال سعة ساحة حلمه تعالى ووقاره وإظهار غاية ضيق عطلهم المستتبع لكون المدة القصيرة عنده تعالى مددا طوالا عندهم حسبما ينطق به قوله تعالى إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ولذلك يرون مجيئه بعيدا ويتخذونه ذريعة إلى إنكاره ويجترئون على الاستعجال به ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها وقوعا وإخبارا ما عنده تعالى من المقدار وقراءة يعدون على صيغة الغيبة أي يعده المستعجلون أوفق لهذا المعنى وقد جعل الخطاب في القراءة المشهورة لهم أيضا بطريق الالتفاف لكن الظاهر أنه للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين وقيل المراد بوعده تعالى ما جعل لهلاك كل أمة من موعد معين وأجل مسمى كما في قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب فتكون الجملة الأولى حالية كانت أو اعتراضية مبينة لبطلان الاستعجال به ببيان استحالة مجيئه قبل وقته الموعود والجملة الأخيرة بيانا لبطلانه ببيان ابتناء على استطالة ما هو قصير عنده تعالى على الوجه الذي مر بيانه فلا يكون في النظم الكريم حينئذ تعرض لإنكارهم الذي دسوه تحت الاستعجال بل يكون الجواب مبنيا على ظاهر مقالهم ويكتفي في رد إنكارهم ببيان عاقبة من قبلهم من أمثالهم هذا وحمل المستعجل به على عذاب الآخرة وجعل اليوم عبارة عن يوم العذاب المستطال لشدته أو عن أيام الآخرة الطويلة حقيقة أو المستطالة لشدة عذابها مما لا يساعده سباق النظم الجليل ولا سياقه فإن كلا منهما ناطق بأن المراد هو العذاب الدنيوي وأن الزمان الممتد هو الذي مر عليهم قبل حلوله بطريق الإملاء والإمهال لا الزمان المقارن له ألا يرى إلى قوله تعالى « وكأين من قرية » الخ فإنه كما سلف من قوله تعالى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم صريح في أن المراد هو الأخذ العاجل الشديد بعد الإملاء المديد أي وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ورجع الضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل « أمليت لها » كما أمليت لهؤلاء حتى أنكروا مجئ ما وعدوا من العذاب واستعجلوا به استهزاء برسلهم كما فعل هؤلاء « وهي ظالمة » جملة حالية مفيدة لكمال حلمه تعالى ومشعرة بطريق التعريض بظلم المستعجلين أي أمليت لها والحال أنها ظالمة مستوجبة لتعجيل العقوبة كدأب هؤلاء « ثم أخذتها » بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال وقوله تعالى « وإلي المصير » اعتراض تذييلي مقرر لما قبله ومصرح بما أفاده ذلك بطريق التعريض من أن مآل أمر المستعجلين أيضا ما ذكر من الأخذ الوبيل أي إلى حكمي مرجع الكل جميعا لا إلى أحد غيري لا استقلالا ولا شركة فأفعل بهم ما أفعل مما يليق بأعمالهم « قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين » أنذركم إنذارا بينا بما أوحى من أنباء الأمم المهلكة من غير أن يكون لي دخل في إتيان ما توعدونه من العذاب حتى تستعجلوني به والاقتصار على الإنذار مع بيان حال الفريقين بعده لما أشير إليه من أن مساق الحديث للمشركين وعقابهم وإنما ذكر المؤمنون وثوابهم زيادة في غيظهم
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 6 صفحه : 112