نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 4 صفحه : 263
أهلها كافة محال محبته ليترتب عليه ما ترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز ولنعلمه تأويل الأحاديث وهو تأويل الرؤيا المذكورة فيؤدي ذلك إلى الرياسة العظمى ولعل ترك المعطوف عليه للإشعار بعدم كونه مرادا بالذات أو جعلناه علة لمعلل محذوف كأنه قيل ولهذا الحكمة البالغة فعلنا ذلك التمكين دون غيرها مما ليس له عاقبة حميدة هذا ولا يخفى عليك أن الذي عليه تدور هذه الأمور إنما هو التمكين في جانب العزيز وأما التمكين في جانب الناس كافة فتأديته إلى ذلك إنما هي باعتبار اشتماله على ذلك التمكين فإذن الحق أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر قوله تعالى مكنا ليوسف على أن يكون هو عبارة عن التمكين في قلب العزيز أو في منزله وكون ذلك تمكينا في الأرض بملابسة أنه عزيز فيها لا عن تمكين آخر يشبه به كما مر في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا من أن ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى جعل آخر يقصد تشبيه هذا الجعل به فالكاف مقحم للدلالة على فخامة شأن المشار إليه إقحاما لا يكاد يترك في لغة العرب ولا في غيرها ومن ذلك قولهم مثلك لا يبخل وهكذا ينبغي أن يحقق المقام وأما التمكين بمعنى جعله ملكا يتصرف في أرض مصر بالأمر والنهي فهو من آثار ذلك التعليم ونتائجه المتفرعة عليه كما عرفته لا من مباديه المؤدية إليه فلا سبيل إلى جعله غاية له ولم يعهد منه عليه السلام في تضاعيف قضاياه العمل بموجب المنامات المنبهة على الحوادث قبل وقوعها عهدا مصححا لجعله غاية لولايته وما وقع من التدارك في أمر السنين فإنما هو عمل بموجب الرؤيا السابقة المعهودة اللهم إلا أن يراد بتعليم تأويل الأحاديث ما سبق من تفهيم غوامض أسرار الكتب الإلهية ودقائق سنن الأنبياء عليهم السلام فيكون المعنى حينئذ مكنا له في أرض مصر ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه معاني كتب الله تعالى وأحكامها ودقائق سنن الأنبياء عليهم السلام فيقضي بها فيما بين أهلها والتعليم الإجمالي لتلك المعاني والأحكام وإن كان غير متأخر عن تمكينه بذلك المعنى إلا أن تعليم كل معنى شخصي يتفق في ضمن الحوادث والإرشاد إلى الحق في كل نازلة من النوازل متأخر عن ذلك صالح لأن يكون غاية له « والله غالب على أمره » لا يستعصى عليه أمر ولا يمانعه شيء بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فيدخل في ذلك شؤونه المتعلقة بيوسف دخولا أوليا أو متول على أمر يوسف لا يكله إلى غيره وقد أريد به من الفتنة ما أريد مرة غب مرة فلم يكن إلا ما أراد الله له من العاقبة الحميدة « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » أن الأمر كذلك فيأتون ويذرون زعما منهم أن لهم من الأمر شيئا وأني لهم ذلك وإن الأمر كله لله عز وجل أو لا يعلمون لطائف صنعه وخفايا فضله « ولما بلغ أشده » أي منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين إلى الأربعين وقيل سن الشباب ومبدأ بلوغ الحلم والأول هو الأظهر لقوله تعالى « آتيناه حكما » حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكما بين الناس وفقها أو نبوة « وعلما » أي تفقها في الدين وتنكيرهما للتفخيم أي حكما وعلما لا يكتنه كنههما ولا يقادر قدرهما فهما ما آتاه الله تعالى عند تكامل قواه سواء كانا عبارة عن النبوة والحكم بين الناس أو غيرهما كيف لا وقد جعل إيتاؤهما
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 4 صفحه : 263