نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 4 صفحه : 213
منهم كما قيل فإن النهي عن استفسار ما لم يعلم غير موافق للحكمة إذ عدم العلم بالشيء داع إلى الاستفسار عنه لا إلى تركه بل هو دعاء منه لإنجاء ابنه حين حال الموج بينهما ولم يعلم بهلاكه بعد إما بتقريبه إلى الفلك بتلاطم الأمواج أو بتقريبها إليه وقيل أو بإنجائه في قلة الجبل ويأباه تذكير الوعد في الدعاء فإنه مخصوص بالإنجاء في الفلك وقوله تعالى لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ومجرد حيلولة الموج بينهما لا يستوجب هلاكه فضلا عن العلم به لظهور إمكان عصمة الله تعالى إياه برحمته وقد وعد بإنجاء أهله ولم يكن ابنه مجاهرا بالكفر كما ذكرناه حتى لا يجوز عليه عليه السلام أن يدعوه إلى الفلك أو يدعو ربه لإنجائه واعتزاله عنه عليه الصلاة والسلام وقصده الالتجاء إلى الجبل ليس بنص في الإصرار على الكفر لظهور جواز أن يكون ذلك لجهله بانحصار النجاة في الفلك وزعمه أن الجبل أيضا يجري مجراه أو لكراهة الإحتباس في الفلك بل قوله سآوي إلى جبل يعصمني من الماء بعد ما قال له نوح عليه الصلاة والسلام ولا تكن مع الكافرين ربما يطمعه عليه السلام في إيمانه حيث لم يقل أكون معهم أو سنأوي أو يعصمنا فإن إفراد نفسه بنسبة الفعلين المذكورين ربما يشعر بانفرداه من الكافرين واعتزاله عنهم وامتثاله ببعض ما أمره به نوح عليه الصلاة والسلام إلا أنه عليه الصلاة والسلام لو تأمل في شأنه حق التأمل وتفحص عن أحواله في كل ما يأتي ويذر لما اشتبه عليه أنه ليس بمؤمن وأنه المستثنى من أهله ولذلك قيل « إني أعظك أن تكون من الجاهلين » فعبر عن ترك الأولى بذلك وقرئ فلا تسألن بغير ياء الإضافة وبالنون الثقيلة بياء وبغير ياء « قال رب إني أعوذ بك أن أسألك » أي أطلب منك من بعد « ما ليس لي به علم » أي مطلوبا لا أعلم أن حصوله مقتضى الحكمة أو طلبا لا أعلم أنه صواب سواء كان معلوم الفساد أو مشتبه الحال أولا أعلم أنه صواب أو غير صواب على ما مر وهذه توبة منه عليه السلام مما وقع منه وإنما لم يقل أعوذ بك منه أو من ذلك مبالغة في التوبة وإظهارا للرغبة والنشاط فيها وتبركا بذكر ما لقنه الله تعالى وهو أبلغ من أن يقول أتوب إليك أن أسألك لما فيه من الدلالة على كون ذلك أمرا هائلا محذورا لا محيص منه إلا بالعوذ بالله تعالى وأن قدرته قاصرة عن النجاة من المكاره إلا بذلك « وإلا تغفر لي » ما صدر عني من السؤال المذكور « وترحمني » بقبول توبتي « أكن من الخاسرين » أعمالا بسبب ذلك فإن الذهول عن شكر الله تعالى لا سيما عند وصول مثل هذه النعمة الجليلة التي هي النجاة وهلاك الأعداء والاشتغال بما لا يعني خصوصا بمبادى خلاص من قيل في شأنه إنه عمل غير صالح والتضرع إلى الله تعالى في أمره معاملة غير رابحة وخسران مبين وتأخير ذكر هذا النداء عن حكاية الأمر الوارد على الأرض والسماء وما يتلوه من زوال الطوفان وقضاء الأمر واستواء الفلك على الجودى والدعاء بالهلاك على الظالمين مع أن حقه أن يذكر عقيب قوله تعالى فكان من المغرقين حسبما وقع في الخارج إذ حينئذ يتصور الدعاء بالإنجاء لا بعد العلم بالهلاك ليس لما
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 4 صفحه : 213