responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود    جلد : 4  صفحه : 136


من كون البغى بمعنى الطلب نعم لو جعل نصبه على العلة أي إنما بغيكم على أبناء جنسكم لأجل متاع الحياة الدنيا محذور كما اختاره بعضهم لكان له وجه في الجملة لكن الحق الذي تقتضيه جزالة التنزيل إنما هو الأول وقرئ متاع بالرفع على أنه الخبر والظرف صلة للمصدر أو خبر ثان أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع الخ كما في قوله تعالى إلا ساعة من نهار بلاغ أي هذا بلاغ فالمراد بأنفسهم على الوجه الأول أبناء جنسهم وإنما عبر عنهم بذلك هزا لشفقتهم عليهم وحثا لهم على ترك إيثار التمتع المذكور على حقوقهم ولا مجال للحمل على الحقيقة لأن كون بغيهم وبالا عليهم ليس بثابت عندهم حسبما يقتضيه ما حكى عنهم ولم يخبر به بعد حتى يجعل من تتمة الكلام ويجعل كونه متاعا مقصود الإفادة على أن عنوان كونه وبالا عليهم قادح في كونه متاعا فضلا عن كونه من مبادئ ثبوته للمبتدأ كما هو المتبادر من السوق وأما كون البغى على أبناء الجنس فمعلوم الثبوت عندهم ومتضمن لمبادى التمتع من أخذ المال والاستيلاء على الناس وغير ذلك وأما على الوجهين الأخيرين فلا موجب للعدول عن الحقيقة فإن المبتدأ إما نفس البغى أو الضمير العائد إليه من حيث هو هو لا من حيث كونه وبالا عليهم كما في صورة كون الظرف صلة للمصدر فتدبر وقرئ متاعا الحياة الدنيا أما نصب متاعا فعلى ما مر وأما نصب الحياة فعلى أنه بدل من متاعا بدل اشتمال وقيل على أنه مفعول به لمتاعا إذا لم يكن انتصابه على المصدرية لأن المصدر المؤكد لا يعمل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تمكر ولا تعن ماكرا ولا تبغ ولا تعن باغيا ولا تنكث ولا تعن ناكثا وكان يتلوها وقال محمد بن كعب ثلاث من كن فيه كن عليه البغى والنكث والمكر قال تعالى إنما بغيكم على أنفسكم وما يمكرون إلا بأنفسهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه وعنه صلى الله عليه وسلم أسرع الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة وروى ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا البغى وعقوق الوالدين وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغي « ثم إلينا مرجعكم » عطف على ما مر من الجملة المستأنفة المقدرة كأنه قيل تتمتعون متاع الحياة الدنيا ثم ترجعون إلينا وإنما غير السبك إلى الجملة الاسمية مع تقديم الجار والمجرور للدلالة على الثبات والقصر « فننبئكم بما كنتم تعملون » في الدنيا على الاستمرار من البغى وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة خفية مبنية على حكمة أبية وهى أن كل ما يظهر في هذه النشأة من الأعيان والأعراض فإنما يظهر بصورة مغايرة لصورته الحقيقية التي بها يظهر في النشأة الآخرة فإن المعاصي مثلا سموم قاتلة قد برزت في الدنيا بصورة تستحسنها نفوس العصاة وكذا الطاعات مع كونها أحسن الأحاسن قد ظهرت عندهم بصور مكروهة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم حفت الجبة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فالبغى في هذه النشأة وإن برز بصورة تشتهيها البغاة وتستحسنها الغواة لتمتعهم به من حيث أخذ المال والتشفى من الأعداء ونحو ذلك لكن ذلك ليس بتمتع في الحقيقة بل هو تضرر من حيث لا يحتسبون وإنما يظهر لهم ذلك عند إبراز ما كانوا يعملونه من البغى بصورة الحقيقة المضادة لما كانوا يشاهدونه على ذلك من الصورة وهو المراد بالتنبئة المذكورة والله سبحانه وتعالى أعلم

نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود    جلد : 4  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست