نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 3 صفحه : 187
نزاهته سبحانه وتعالى عن كلا التعذيبين الدنيوي والأخروي معا من غير إنذار على أبلغ وجه وآكده حيث اقتصر على نفي التعذيب الدنيوي عنه تعالى ليثبت نفي التعذيب الأخروي عنه تعالى على الوجه البرهاني بطريق الأولوية فإنه تعالى حيث لم يعذبهم بعذاب يسير منقطع بدون إنذار فلأن لا يعذبهم بعذاب شديد مخلد أولى وأجلى ولو علل بما ذكر من نفي التعذيب لا نصرف بحسب المقام إلى ما فيه الكلام من نفي التعذيب الأخروي ونفي التعذيب الدنيوي وغير متعرض له لا صريحا ولا دلالة ضرورة أن نفي الأعلى لا يدل على نفي الأدنى ولأن ترتب العذاب الدنيوي على الإنذار عند عدم تأثر المنذرين منه معلوم مشاهد عند السامعين فيستدلون بذلك على أن التعذيب الأخروي أيضا كذلك فينزجرون عن الإخلال بمواجب الإنذار أشد انزجار هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الكريم وأما جعل ذلك إشارة إلى إرسال الرسل عليهم السلام وإنذارهم وخبر المبتدأ محذوف كما أطبق عليه الجمهور فبمعزل من مقتضى المقام والله سبحانه أعلم « ولكل » أي من المكلفين من الثقلين « درجات » متفاوتة وطبقات متباينة « مما عملوا » من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة فإن أعمالهم درجات في أنفسها أو من جزاء أعمالهم فإن كل جزاء مرتبة معينة لهم أو من أجل أعمالهم « وما ربك بغافل عما يعملون » فيخفى عليه عمل من اعمالهم أو قدر ما يستحقون بها من ثواب أو عقاب وقرئ بالتاء تغليبا للخطاب على الغيبة « وربك الغني » مبتدأ وخبر أي هو المعروف بالغني عن كل ما سواه كائنا من كان وما كان فيدخل فيه غناه عن العباد وعن عبادتهم في التعرض لوصف الربوبية في الموضعين لا سيما في الثاني لكونه موقع الإضمار مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم وتنزيه ساحته عن توهم شمول الوعيد الآتي لها أيضا ما لا يخفى وقوله تعالى « ذو الرحمة » خبر آخر أو هو الخبر والغنى صفة أي يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي وفيه تنبيه على أن ما سلف ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتمهيد لقوله تعالى « إن يشأ يذهبكم » أي ما به حاجة إليكم إن يشأ يذهبكم أيها العصاة وفي تلوين الخطاب من تشديد الوعيد ما لا يخفى « ويستخلف من بعدكم » أي من بعد إذهابكم « ما يشاء » من الخلق وإيثار ما على من لإظهار كمال الكبرياء وإسقاطهم عن رتبة العقلاء « كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين » أي من نسل قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام لكنه أبقاكم ترحما عليكم وما في كما مصدرية ومحل الكاف النصب على أنه مصدر تشبيهي على غير الصدر فإن يستخلف في معنى ينشئ كأنه قيل وينشىء إنشاء كائنا كإنشائكم الخ أو نعت لمصدر الفعل المذكور أي يستخلف استخلافا كائنا كإنشائكم الخ والشرطية استئناف مقرر لمضمون ما قبلها من الغنى والرحمة « إن ما توعدون »
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 3 صفحه : 187