نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 2 صفحه : 106
الكريم وإن كان نفى مغلوبيتهم من غير تعرض لنفى المساواة أيضا وهو الذي يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهما قطعيا هو نفى المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين فإذا قلت لا أكرم من فلان أولا أفضل منه فالمفهوم منه حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ولا اختصاص له بالنفي لصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا في مواقع كثيرة من التنزيل ومما هو نص قاطع فيما ذكرنا ما وقع في سورة هود حيث قيل بعده في حقهم لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون فإن كونهم أخسر من كل خاسر يستدعى قطعا كونهم أظلم من كل ظالم « وإن يخذلكم » كما فعل يوم أحد وقرئ يخذلكم من أخذله إذا جعله مخذولا « فمن ذا الذي ينصركم » استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر ذاتا وصفة بطريق المبالغة « من بعده » أي من بعد خذلانه تعالى أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه « وعلى الله فليتوكل المؤمنون » تقديم الجار والمجرور على الفعل لإفادة قصره عليه تعالى والفاء لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما مر من غلبة المخاطبين على تقدير نصرته تعالى لهم ومغلوبيتهم على تقدير خذلانه تعالى إياهم فإن العلم بذلك مما يقتضى قصر التوكل عليه تعالى لا محالة والمراد بالمؤمنين إما الجنس والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا واما هم خاصة بطريق الالتفات وأيا ما كان ففيه تشريف لهم بعنوان الايمان اشتراكا أو استقلالا وتعليل لتحتم التوكل عليه تعالى فإن وصف الايمان مما يوجبه قطعا « وما كان لنبي » أي وما صح لنبي من الأنبياء ولا استقام له « أن يغل » أي يخون في المغنم فإن النبوة تنافيه منافاة بينه يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه خفية والمراد اما تنزيه ساحة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز وأفاضوا في الغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري فقالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال عليه السلام بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم بينكم واما المبالغة في النهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى أنه بعث طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم غنائم فقسمها بين الحاضر ولم يترك للطلائع شيئا فنزلت والمعنى ما كان لنبي أن يعطي قوما من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية وعبر عن حرمان بعض الغزاة بالغلول تغليظا وأما ما قيل من أن المراد تنزيهه عليه السلام عما تفوه به بعض المنافقين إذ روى أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فبعيد جدا وقرئ على البناء للمفعول والمعنى ما كان له أن يوجد غالا أو ينسب إلى الغلول « ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة » يأت بالذي غله بعينه يحمله على عنقه كما ورد في الحديث الشريف وروى أنه عليه السلام قال ألا لا أعرفن أحدكم يأتي ببعير له رغاء وببقرة لها خوار وبشارة لها ثغاء فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا فقد بلغتك أو يأت
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 2 صفحه : 106