نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 1 صفحه : 172
بين الخطابين المختصين بالرسول صلى الله عليه وسلم لتأييد ما في مضمون الكلام من التشريف وذلك إشارة إلى مصدر جعلناكم لا إلى جعل آخر مفهوم مما سبق كما قيل وتوحيد الكاف مع القصد إلى المؤمنين لما أن المراد مجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى دون تعيين المخاطبين وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجة المشار اليه وبعد منزلته في الفضل وكمال تميزه وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة والكاف لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحلها في الأصل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف وأصل التقدير جعلناكم أمة وسطا جعلا كائنا مثل ذلك الجعل فقدم على الفعل لإفادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة فصار نفس المصدر المؤكد لا نعتا له أي ذلك الجعل البديع جعلناكم « أمة وسطا » لا جعلا آخر أدنى منه والوسط في الأصل اسم لما يستوي نسبة الجوانب اليه كمركز الدائرة ثم استعير للخصال المحمودة البشرية لكن لا لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعواز والأوساط محمية محوطة كما قيل واستشهد عليه بقول ابن أوس الطائي * كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت * بها الحوادث حتى أصبحت طرفا * فإن تلك العلاقة بمعزل من الاعتبار في هذا المقام إذ لا ملابسة بينها وبين أهلية الشهادة التي جعلت غاية للجعل المذكور بل لكون تلك الخصال أوساطا للخصال الذميمة المكتنفة بها من طرفي الافراط والتفريط كالعفة التي طرفاها الفجور والخمود وكالشجاعة التي طرفاها الظهور والجبن وكالحكمة التي طرفاها الجربزة والبلادة وكالعدالة التي هي كيفية متشابهة حاصلة من اجتماع تلك الأوساط المحفوفة بأطرافها ثم أطلق على المتصف بها مبالغة كأنه نفسها وسوى فيه بين المفرد والجمع والمذكر والمؤنث رعاية لجانب الأصل كدأب سائر الأسماء التي يوصف بها وقد روعيت ههنا نكتة رائقة هي ان الجعل المشار اليه عبارة عما تقدم ذكره من هدايته تعالى إلى الحق الذي عبر عنه بالصراط المستقيم الذي هو الطريق السوي الواقع في وسط الطرق الجائرة عن القصد إلى الجوانب فإنا إذا فرضنا خطوطا كثيرة واصلة بين نقطتين متقابلتين فالخط المستقيم انما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية ومن ضرورة كونه وسطا بين الطرق الجائرة كون الأمة المهدية اليه أمة وسطا بين الأمم السالكة إلى تلك الطرق الزائغة أي متصفة بالخصال الحميدة خيارا وعدولا مزكين بالعلم والعمل « لتكونوا شهداء على الناس » بان الله عز وجل قد أوضح السبل وأرسل الرسل فبلغوا ونصحوا وذكروا فهل من مدكر وهي غاية للجعل المذكور مترتبة عليه فإن العدالة كما أشير اليه حيث كانت هي الكيفية المتشابهة المتألفة من العفة التي هي فضيلة القوة الشهوية البهيمية والشجاعة التي هي فضيلة القوة الغضبية السبعية والحكمة التي هي فضيلة القوة العقلية الملكية المشار إلى رتبتها بقوله عز وعلا ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا كأن المتصف بها واقفا على الحقائق المودعة في الكتاب المبين المنطوي على أحكام الدين وأحوال الأمم أجمعين حاويا لشرائط الشهادة عليهم روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء عليهم السلام فيطالبهم الله تعالى بالبينة وهو أعلم إقامة للحجة على المنكرين وزيادة لخزيهم بأن كذبهم من بعدهم من الأمم فيؤتي بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون فيقول الأمم من اين عرفتم فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى عند ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله عز قائلا « ويكون الرسول عليكم شهيدا » وكلمة
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود جلد : 1 صفحه : 172