responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود    جلد : 4  صفحه : 188


أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فإن لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما أن الأول أشرف من الثاني فكذا الحال في عمله كيف لا ولا عمل بدون معرفة الله عز وجل الواجبة على العباد آثر ذي أثير وإنما طريقها النظري التفكر في بدائع صنائع الملك الخلاق والتدبر في آياته البينات المنصوبة في الأنفس والآفاق ولا طاعة بدون فهم ما في مطاوي الكتاب الحكيم من الأوامر والنواهي وغير ذلك مما له مدخل في الباب وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله عز وجل الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل في اليوم بجوارحه مثل علم أهل الأرض وتعليق فعل البلوى أي تعقيبه بحرف الاستفهام لا التعليق المشهور الذي يقتضى عدم إيراد المفعول أصلا مع اختصاصه بأفعال القلوب لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالنظر ونظائره ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصود الأصلي مما ذكر من إبداع تلك البدائع على ذلك النمط الرائع إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين وأن ذلك لكونه على أتم الوجوه اللائقة وأكمل الأساليب الرائقة يوجب العمل بموجبه بحيث لا يحيد أحد عن سننه المستبين بل يهتدى كل فرد إلى ما يرشد إليه من مطلق الإيمان والطاعة وإنما التفاوت بينهم في مراتبهما بحسب القوة والضعف والكثرة والقلة وأما الإعراض عن ذلك والوقوع في مهاوى الضلال فبمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن أن ينظم ظهوره في سلك العلة الغائبة لذلك الصنع البديع وإنما هو عمل يصدر عن عاملة بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب ولا يخفى ما فيه من الترغيب في الترقي إلى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائضها والله تعالى أعلم « ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت » على ما يوجبه قضية الابتلاء ليترتب عليه الجزاء المتفرع على ظهور مراتب الأعمال « ليقولن الذين كفروا » إن وجه الخطاب في قوله تعالى إنكم إلى جميع المكلفين فالموصول مع صلته للتخصيص أي ليقولن الكافرون منهم وإن وجه إلى الكافرين منهم فهو وارد على طريقة الذم « إن هذا إلا سحر مبين » أي مثله في الخديعة أو البطلان وهذا إشارة إلى القول المذكور أو إلى القرآن فإن الإخبار عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب كونه بطريق الوحي المتلو إلا أنهم عند سماعهم ذلك تخلصوا إلى القرآن لانبائه عنه في كل موضع وكونه علما عندهم في ذلك فعمدوا إلى تكذيبه وتسميته سحرا تماديا منهم في العناد وتفاديا عن سنن الرشاد وقيل هو إشارة إلى نفس البعث ولا يلائمه التسمية بالسحر فإنه إنما يطلق على شيء موجود ظاهرا لا أصل له في الحقيقة ونفس البعث عندهم معدوم بحت وتعلق الآية الكريمة بما قبلها إما من حيث أن البعث كما أشير إليه من تتمات الابتلاء المذكور فكأنه قيل الأمر كما ذكر ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذة من مقدماته وقضية فرده من تتماته لا يتلعثمون في الرد ويعدون ذلك من قبيل ما لا صحة له أصلا فضلا عن تصديق ما هذه من تتماته وأما من حيث أن البعث خلق جديد فكأنه قيل وهو الذي خلق جميع المخلوقات ابتداء لهذه الحكمة البالغة ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه يعيدهم تارة أخرى وهو

نام کتاب : تفسير أبي السعود نویسنده : أبي السعود    جلد : 4  صفحه : 188
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست