نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 549
ثم بادر اللَّه إلى الجواب بقوله : * ( بَلْ إِيَّاه تَدْعُونَ . . ) * أي بل تدعون اللَّه الخالق الرازق ، فيكشف ما خفتموه إن شاء ، وتنسون أصنامكم ، أي تتركونهم ، ولا تذكرون في ذلك الوقت إلا اللَّه ، فكيف يجعل إلها من هذه حاله في الشدائد والأزمات ؟ ! الواقع : أنه لا ملجأ لكم إلا اللَّه ، وأصنامكم مهجورة منسية ! وذلك أن اللَّه تعالى أودع في فطرة الإنسان شعوره بالضعف وتوحيد اللَّه والإذعان التّام للخالق المبدع ، مالك الأرض وباسط السماء . وأما الشّرك فهو شيء موروث في البدائيين ، وعبث وظلم ، وانحراف عن الفطرة السّوية ، وانشغال بما لا يفيد . ثم ذكّر اللَّه المشركين الكفرة بضرب الأمثال بالأمم السابقة ، مبيّنا أنه أرسل الرّسل للأمم المتقدمة ، قبل النّبي محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، فدعوهم إلى توحيد اللَّه وعبادته ، فلم يستجيبوا ، فاختبرهم اللَّه بالبأساء والضّراء ، أي بالفقر وشدة العيش ، والمرض والألم ، لعلهم يدعون اللَّه ويتضرّعون إليه ويخشعون لأن الشّدائد تنبت الرجال وتصحّح المواقف . والتّرجي في ( لعلّ ) إنما هو في معتقد البشر ، فلو رأى أحد أمارات العذاب لرجا تضرّعهم بسببه . ثم أكّد تعالى الحضّ على التّضرع لله ، وألا سبيل للناس إلا إلى اللَّه ، فهلا إذا نزل بهم أوائل البأس والعذاب ومقدمات الشدائد تضرّعوا إلى اللَّه خاشعين تائبين ؟ ! ! ولكنهم لم يفعلوا وصلبت قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، وزيّن لهم الشيطان أفعالهم من الشّرك والعصيان ، ووسوس لهم حتى حسّن لهم الكفر في قلوبهم ، ورغَّبهم في سوء أعمالهم . فلما تركوا ما أنزل اللَّه ، وأصروا على كفرهم ، فتحنا عليهم أبواب الرزق ، استدراجا لهم منه تعالى ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الأموال والأولاد ، أخذناهم على غفلة بعذاب الاستئصال . فهلك القوم الظالمون أنفسهم بالكفر وتكذيب الرّسل ، وقطع دابر القوم ، أي آخر الأمر الذي يأتي من خلفه ، ولم يبق منهم أحد ، وهذا كناية عن استئصال شأفتهم
549
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 549