نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 592
وإن كان سبّها حقّا متقرّرا موافقا للواقع ، لكن إذا كان السّب ذريعة محرّضة إلى سبّ الإله الحق ، كان البعد عن المتسبّب لذلك هو الواجب شرعا وعقلا وسياسة ووعيا . قال اللَّه تعالى مبيّنا هذه الحقيقة : [ سورة الأنعام ( 6 ) : الآيات 108 الى 110 ] * ( ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْواً ( 1 ) بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ( 108 ) وأَقْسَمُوا بِاللَّه جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ( 2 ) لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّه وما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ( 109 ) ونُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِه أَوَّلَ مَرَّةٍ ونَذَرُهُمْ ( 3 ) فِي طُغْيانِهِمْ ( 4 ) يَعْمَهُونَ ( 5 ) ( 110 ) ) * [ الأنعام : 6 / 108 - 110 ] . قال قتادة مبيّنا سبب نزول هذه الآية : * ( ولا تَسُبُّوا . . ) * : كان المسلمون يسبّون أصنام الكفّار ، فيسبّوا - أي الكفار - اللَّه ، فأنزل اللَّه : * ( ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه ) * وبعبارة أخرى : قال كفار قريش لأبي طالب : إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سبّ آلهتنا والغضّ منها ، وإما أن نسبّ إله ونهجوه ، فنزلت الآية . الآية خطاب للمؤمنين وللنّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وحكمها على كل حال باق في الأمة ، فمتى كان الكافر في منعة ، وخيف أن يسب الإسلام أو النّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، أو اللَّه عزّ وجلّ ، فلا يحلّ للمسلم أن يسبّ دينهم ولا صلبناهم ولا يتعرّض إلى ما يؤدي إلى ذلك ونحوه . ينهاكم اللَّه تعالى أيها المؤمنون عن سبّ آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين ، وهو اللَّه لا إِله إِلَّا هُوَ كما قال ابن عباس . والمعنى : لا تسبّوا أيها المسلمون آلهة المشركين التي يدعونها دون اللَّه لأنه ربما ينشأ عن ذلك سبّهم اللَّه عزّ وجلّ ظلما وعدوانا ، لإغاظة المؤمنين ، جهلا منهم