responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 98


يكون مظهرا من مظاهر التواضع والخضوع له تحية وتعظيما ، وإقرارا له بالفضل دون وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة ، إذ عبادة غير اللَّه شرك يتنزه الملائكة عنه .
وعلى هذا الرأى سار علماء أهل السنة . وقيل : إن السجود كان للَّه ، وآدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون تحية له ، وإلى هذا الرأى اتجه علماء المعتزلة ، وقد قالوا ذلك هربا من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ، فإن أهل السنة قالوا : إبليس من الملائكة ، والصالحون من البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم ، وخالفت المعتزلة في ذلك ، وقالت :
الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة .
والذي نراه أن ما سار عليه أهل السنة أرجح ، لأن ما ذهب إليه المعتزلة يبعده أن المقام مقام لإظهار فضل آدم على الملائكة ، وإظهار فضله عليهم لا يتحقق بمجرد كونه قبلة للسجود .
وأمر الملائكة بالسجود لآدم هو لون من الابتلاء والاختبار ، ليميز اللَّه الخبيث من الطيب ، وينفذ ما سبق به العلم ، واقتضته المشيئة والحكمة :
ثم بين - سبحانه - ما حدث من الملائكة ومن إبليس فقال :
* ( فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى واسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ) * .
إبليس : اسم مشتق من الإبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس ، وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمى ، ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وهو كائن حي ، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه . قال - تعالى - إِنَّه يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ .
وقوله : * ( أَبى واسْتَكْبَرَ ) * الإباء : الامتناع عن الفعل أنفة مع التمكن منه . والاستكبار :
التكبر والتعاظم والغرور ، بمعنى أن يرى الشخص في نفسه علوا على غيره ، وهو خلق مذموم .
وكان في قوله : * ( وكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ) * بمعنى صار .
وجاء العطف في قوله * ( فَسَجَدُوا . . . ) * بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، ولم يصدهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق ، مظهر فساد وسفك دماء ، لأنهم منزهون عن المعاصي .
وللعلماء في كون إبليس من الملائكة أم لا قولان :
أحدهما : أنه كان منهم لأنه - سبحانه - أمرهم بالسجود لآدم ، ولو لا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود ، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصيا ، ولما استحق الخزي والنكال .

98

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 98
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست