نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 83
ويبدو أن الآية الكريمة قد نزلت للرد على جميع تلك الفرق الضالة ، فقد قرر العلماء أن لا مانع من تعدد أسباب النزول للآية الواحدة أو للطائفة من الآيات . والاستحياء والحياء واحد ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استقدم واستأجر واستجاب . وهو في أصل اللغة انقباض النفس وانكسارها من خوف ما يعاب به ويذم . وهذا المعنى غير لائق بجلال اللَّه ، لذا ذهب جمع من المفسرين إلى تأويله بإرادة لازمة ، وهو ترك ضرب الأمثال بها . والمعنى : إن اللَّه لا يترك أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ، وإطلاق الفعل كالاستحياء على ما يترتب عليه كترك الفعل ، مألوف في الكلام البليغ حيث يكون المراد واضحا . ومذهب السلف : إمرار هذا وأمثاله على ما ورد ، وتفويض علم كنهه وكيفيته إلى اللَّه - تعالى - مع وجوب تنزيهه عما لا يليق بجلاله من صفات المحدثات . أى : ليس الحياء بمانع للَّه - تعالى - من ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الصغيرة في نظركم كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فإن فيها من دلائل القدرة ، وبدائع الصنعة ما تحار فيه العقول ، ويشهد بحكمة الخالق . والمثل في اللغة : الشبيه . وهو في عرف القرآن : الكلام البليغ المشتمل على تشبيه بديع ، كالمثلين السابقين اللذين ضربهما اللَّه في حال المنافقين أو وصف غريب نحو قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَه إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعُوا لَه وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْه « . وضرب المثل : إيراده ، وعبر عن إيراده بالضرب ، لشدة ما يحدث عنه من التأثير في نفس السامع . و ( ما ) في قوله ( مثلا ما ) هي ما الإبهامية ، تجيء بعد النكرة فتزيدها شيوعا وعموما ، كقولك : أعطنى كتابا ما ، أى كتاب كان . والبعوضة واحدة البعوض وهي حشرة صغيرة تطلق على الناموس وهي بدل أو بيان من قوله ( مثلا ) . وقوله : * ( فَما فَوْقَها ) * عطف على بعوضة ، والمراد فما فوقها في الحجم كالذباب والعنكبوت ، والكلب والحمار ، أو فما فوقها في المعنى الذي وقع التمثيل فيه ، وهو الصغر والحقارة كجناحها أو كالذرة . قال صاحب الكشاف : سيقت هذه الآية لبيان أن ما استنكره الجهلة والسفهاء وأهل العناد
83
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 83