نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 71
ففي هاتين الآيتين توجيه للناس إلى الأمر الذي خلقوا من أجله وهو عبادة اللَّه دون ما سواه ، وبيان البراهين الساطعة التي تدل على وحدانية اللَّه وعظيم قدرته . و « يا » حرف نداء وهو أكثر حروف النداء استعمالا ، فهو أصل حروف النداء . و « أى » اسم مبهم لكن يزول إبهامه بالاسم المقصود بالنداء الذي يأتى بعده . و « ها » المتصلة به مؤكدة للتنبيه المستفاد من النداء . و « العبادة » الخضوع البالغ الغاية . وقد كثر النداء في القرآن الكريم بهذه الطريقة لما فيها من التأكيد الذي كثيرا ما يقتضيه المقام . وفي ذكره تعالى باسم الرب ، وإضافته إلى المخاطبين ، تقوية لداعية إقبالهم على عبادته . فإن الإنسان إذا اتجه بفكره إلى معنى كون اللَّه مالكا له ، أو مربيا له وتذكر ما يحفه به من رفق ، وما يجود به عليه من إنعام ، لم يلبث أن يخصه بأقصى ما يستطيع من الخضوع والخشوع والإجلال . وإفراد اسم الرب دل على أن المراد رب جميع الخلق وهو اللَّه تعالى ، إذ ليس ثمة رب يستحق هذا الاسم بالإفراد والإضافة إلى جميع الناس إلا اللَّه . ثم بين - سبحانه - الموجبات التي من شأنها أن تحملهم على عبادته وحده فقال « الذي خلقكم والذين من قبلكم » . والخلق : أصله الإيجاد على تقدير وتسوية ، ويطلق في القرآن وفي عرف الشريعة على إيجاد الأشياء المعدومة ، فهو إخراجها من العدم إلى الوجود إخراجا لا صنعة فيه للبشر . والمعنى : اجعلوا أيها الناس عبادتكم للَّه تعالى وحده ، لأنه هو الذي أوجدكم في أحسن تقويم بعد أن كنتم في عدم ، كما أوجد الذين تقدموكم . وقدم وصفه بخلق المخاطبين مع أنه متأخر بالزمان عن خلق من تقدموهم ، لأن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه بأحوال غيره . وقوله تعالى : * ( والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) * فيه رد على الدهريين من المخاطبين الذين يزعمون أنهم إنما خلقهم آباؤهم فقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر . فكان قوله : * ( والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) * تذكيرا لهم بأن آباءهم الأولين لا بد أن ينتهوا إلى أب أول قد خلقه اللَّه تعالى .
71
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 71