نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 630
وقد بين اللَّه - تعالى - في ثلاث جمل حسن عاقبتهم ، وعظيم ثوابهم فقال في الجملة الأولى * ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) * أى فلهم أجرهم الجزيل عند خالقهم ومربيهم ورازقهم . والجملة الكريمة خبر لقوله : * ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ . . . ) * ودخلت الفاء في الخبر لأن الموصول في معنى الشرط فتدخل الفاء في خبره جوازا ، وللدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها أى أن استحقاق الأجر متسبب عن الإنفاق في سبيل اللَّه . وقال في الجملة الثانية * ( ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) * أى : لا خوف عليهم من أى عذاب لأنهم في مأمن من عذاب اللَّه بسبب ما قدموا من عمل صالح . وقال في الجملة الثالثة : * ( ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ) * أى لا يصيبهم ما يؤدى بهم إلى الحزن والهم والغم ، لأنهم دائما في اطمئنان يدفع عنهم الهموم والأحزان وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها أن على بن أبى طالب كان يملك أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية فقال له النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « ما حملك على ذلك ؟ فقال : أريد أن أكون أهلا لما وعدني ربي . فقال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لك ذلك « فأنزل اللَّه هذه الآية « 1 » . والحق أن هذه الرواية وغيرها لا تمنع عمومها ، فهي تنطبق على كل من بذل ماله في سبيل اللَّه في عموم الأوقات والأحوال . أما بعد : فهذه أربع عشرة آية بدأت من قوله - تعالى - مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ . . . وانتهت بقوله - تعالى - : * ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ سِرًّا وعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ . . . ) * . والذي يقرأ هذه الآيات الكريمة بتدبر وتعقل يراها قد حضت الناس على الإنفاق في سبيل اللَّه بأبلغ الأساليب ، وأحكم التوجيهات ، وأفضل الوسائل ، كما يراها بينت أحكام الصدقة وآدابها ، والآفات التي تذهب بخيرها وضربت الأمثال لذلك ، كما يراها قد بينت أنواعها ، وطريقة أدائها ، وأولى الناس بها ورسمت صورة كريمة للفقراء المتعففين ، وكما بدأت الآيات حديثها بالثناء الجميل على المتفقين فقد ختمته أيضا بالثناء عليهم وبالعاقبة الحسنى التي أعدها اللَّه لهم . ولو أن المسلمين أخذوا بتوجيهات هذه الآيات لعمتهم السعادة في دنياهم ، ولنالوا رضا اللَّه ومثوبته في أخراهم . وبعد هذه الصورة المشرقة التي ساقها القرآن عن النفقة والمنفقين أتبعها بصورة مضادة لها
( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 88 .
630
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 630