نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 52
ونرى القرآن هنا قدم القلب في الذكر على السمع ، بينما في سورة الجاثية قدم السمع في الذكر على القلب فقال : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَه هَواه ، وأَضَلَّه اللَّه عَلى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى سَمْعِه وقَلْبِه وجَعَلَ عَلى بَصَرِه غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيه مِنْ بَعْدِ اللَّه أَفَلا تَذَكَّرُونَ . وذلك لأنه - سبحانه - في سورة الجاثية قد ذكر الختم معطوفا على قوله « اتخذ إلهه هواه ، ومن اتخذ إلهه هواه يكون أول ما يبدو منه للناس ويعرف هو إعراضه عن النصح ، ولى رأسه عن استماع الحجة ، فكان مظهر عدم السماع منه أول ما يبدو للناظرين ، فلذلك قدم السمع على القلب . وأما آيتنا هذه وهي قوله - تعالى - * ( خَتَمَ اللَّه عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ ) * فقد جاءت إثر الآية المختومة بقوله * ( لا يُؤْمِنُونَ ) * . والإيمان تصديق يقوم على الحجة والبراهين ، وإدراك الحجة والبرهان إنما هو بالقلب فكان التعليل المتصل الواضح لنفى الإيمان أن قلوبهم مغلقة لا تنفذ إليها الحجة ، أولا يتسرب إليها نور البرهان لذلك قدم القلب على السمع . هذا وقوله - تعالى - * ( خَتَمَ اللَّه عَلى قُلُوبِهِمْ ) * . . إلخ . لا ينفى عنهم تبعة الكفر ، لأنهم هم الذين باشروا من فاسد الأعمال ، وذميم الخصال ، ومتابعة الهوى ، ما نسج على قلوبهم الأغلفة السميكة ، وأصم إلى جانب ذلك آذانهم وأعمى أبصارهم ، ما ظَلَمَهُمُ اللَّه ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . ولعلماء الكلام كلام طويل حول هذه المسألة فليرجع إليه من شاء . ثم بين - سبحانه - ما يستحقونه من عذاب بسبب إغراقهم في الكفر . واستحبابهم للمعاصي فقال : * ( ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) * . أى : ولهم بسبب سوء أعمالهم عذاب موجع مؤلم لأبدانهم وأجسامهم . وأصل العذاب : المنع ، يقال : عذب الفرس - كضرب - امتنع عن العلف . وعذب الرجل إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عاذب وعذوب . ثم أطلق على الإيجاع الشديد لما فيه من المنع عن اقتراف الذنب . والعظيم : الكبير ، من عظم الشيء ، وأصله كبر عظمه ، ثم استعير لكل كبير محسوسا كان أو معقولا . ووصف العذاب بالعظيم على معنى أن سائر ما يجانسه من العذاب يكون بالنسبة إليه حقيرا هينا .
52
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 52