نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 486
لما نزل قوله - تعالى - : ولا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله - تعالى - : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه . وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه وشرابه ، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فأنزل اللَّه - تعالى - * ( ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) * فخلطوا طعامهم وشرابهم بشرابهم « 1 » . والمعنى : ويسألونك يا محمد عن القيام بأمر اليتامى أو التصرف في أموالهم أو عن أموالهم وكيف يكونون معهم فقل لهم : إن المطلوب هو إصلاحهم بالتهذيب والتربية الرشيدة . والمعاملة الحسنة ، وإصلاح أموالهم بالمحافظة عليها وعدم إنفاقها إلا في الوجوه المشروعة فهذا الإصلاح المفيد لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم ، وتركهم ، ولذا قال - تعالى - بعد ذلك : * ( وإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) * أى : وإن تعاشروهم وتضموهم إليكم فاعتبروهم إخوانكم في العقيدة والإنسانية ، وعاملوهم بمقتضى ما تفرضه الأخوة من تراحم وتعاطف ومساواة . والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها . و « إصلاح » مبتدأ وسوغ الابتداء به مع أنه نكرة وصفه بالجار والمجرور « لهم » و « خير » خبره ، وقوله : * ( فَإِخْوانُكُمْ ) * الفاء واقعة في جواب الشرط ، وإخوانكم خبر لمبتدأ محذوف والتقدير فهم إخوانكم ، والجملة في محل جزم على أنها جواب الشرط . وقوله : * ( واللَّه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) * وعد ووعيد ، وترغيب في الإصلاح وترهيب من الإفساد ، أى : واللَّه يعلم المفسد لشئون هؤلاء اليتامى من المصلح لها ، كما أنه - سبحانه - لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وسيجازى كل إنسان على حسب عمله ، فاحذروا الإفساد ولا تتحروا غير الإصلاح . ثم قال - تعالى - : * ( ولَوْ شاءَ اللَّه لأَعْنَتَكُمْ ) * العنت : الشدة والمشقة والتضييق . يقال : أعنته في كذا يعنته إعناتا ، إذا أجهده وألزمه ما يشق عليه . أى : ولو شاء اللَّه لضيق عليكم وأحرجكم بتحريم مخالطة هؤلاء اليتامى ، وبغير ذلك مما يشرع لكم ، ولكنه - سبحانه - وسع عليكم وخفف فأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن ، فاشكروه على ذلك . ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : * ( إِنَّ اللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) * أى : إن اللَّه - تعالى - غالب
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 256 .
486
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 486