نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 470
تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات منكم مات شهيدا ، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون ويذهب أمركم . وهذا صحيح لا غبار عليه ، كما اتفق في بلاد الأندلس ، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار ، فاستولى العدو على البلاد ، وأى بلاد ؟ ! ! وأسر وقتل وسبى واسترق ، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون ! ! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته ! ! وقال الحسن في معنى الآية : لا تكرهوا الملمات الواقعة فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تحبه فيه عطبك ، وأنشد أبو سعيد الضرير : < شعر > رب أمر تتقيه جر أمرا ترتضيه < / شعر > < شعر > خفى المحبوب منه وبدا المكروه فيه « 1 » < / شعر > وهذا الكلام الذي كتبه الإمام القرطبي من مئات السنين يثير في النفس شجونا وآلاما ، فإن المسلمين ما هانوا وضعفوا إلا عند ما تركوا الجهاد في سبيل اللَّه ، وتثاقلوا إلى الأرض ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، وآثروا متع الدنيا وشهواتها على الحياة العزيزة الكريمة . وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية : هذا إيجاب من اللَّه - تعالى - للجهاد على المسلمين وأن يكفوا شر الأعداء من حوزة الإسلام . قال الزهري : الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد . فالقاعد عليه إذا استعين به أن يعين ، وإذا استغيث به أن يغيث ، وإذا استنفر أن ينفر ، ولهذا ثبت في الصحيح « من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ، وقال : صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يوم الفتح : « لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا » « 2 » . وقد أجمع العلماء على أنه إذا نزل العدو بساحة البلاد وجب القتال على كل المسلمين ، كل على حسب قدرته . وقد ختم - سبحانه - هذه الآية الكريمة بقوله : * ( واللَّه يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) * أى : واللَّه يعلم ما هو خير لكم وما هو شر لكم في الواقع وأنتم لا تعلمون ذلك ، فبادروا إلى ما يأمركم به لأنه لا يأمركم إلا بما علم فيه خيرا لكم ، وانتهوا عما نهاكم عنه لأنه لا ينهاكم إلا عما هو شر لكم ، ومفعولا يعلم وتعلمون محذوفان دل عليها ما قبلهما . أى : يعلم الخير والشر وأنتم لا تعلمونهما . والمقصود من هذه الجملة الكريمة الترغيب في الجهاد ، والامتثال لما شرعه اللَّه - تعالى - سواء أعرفت حكمته أم لم تعرف ، لأن العليم بالحكم والمصالح هو اللَّه رب العالمين .
( 1 ) تفسير القرطبي ج 3 ص 39 . ( 2 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 252 .
470
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 470