نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 457
« وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا » ويتأكد أيضا بما نقل عن ابن مسعود أنه قرأ كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث اللَّه النبيين . . . و « كان » على هذا الرأى على بابها من المضي ، وعدم استمرار الحكم ، وعدم امتداده إلى المستقبل ، لأن الناس كانوا مهتدين ثم زالت الهداية عنهم أو عن كثير منهم بسبب اختلافهم فأرسل اللَّه - تعالى - رسله لهدايتهم . القول الثاني يرى أصحابه أن المعنى : كان الناس أمة واحدة مجتمعين على الضلال والكفر فبعث اللَّه النبيين لهدايتهم . . و « كان » على هذا الرأى - أيضا - على بابها من المضي والانقضاء ، ولا تحتاج على هذا الرأى إلى تقدير كلام محذوف ، وهو ثم اختلفوا فبعث . . إلخ . ومن العلماء الذين رجحوا القول الأول الإمام ابن كثير فقد قال : عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث اللَّه النبيين مبشرين ومنذرين . . وهكذا قال قتادة ومجاهد . وقال العوفى عن ابن عباس ( كان الناس أمة واحدة ) يقول كانوا كفارا ( فبعث اللَّه النبيين ) والقول الأول عن ابن عباس وهو أصح سندا ومعنى لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث اللَّه إليهم نوحا - عليه السلام - فكان أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض « 1 » . أما الرأى الثالث فقد قرره الإمام القرطبي بقوله : ويحتمل أن تكون « كان » للثبوت ، والمراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع ، وجهلهم بالحقائق ، لو لا منّ اللَّه عليهم وتفضله بالرسل إليهم . فلا يختص « كان » على هذا التأويل بالمضي فقط ، بل معناه معنى قوله : وكانَ اللَّه غَفُوراً رَحِيماً « 2 » . وهذا الرأى قد اختاروه الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره للآية الكريمة ووافقه عليه بعض العلماء الذين كتبوا في تفسير هذه الآية . قال الأستاذ الإمام ما ملخصه . « خلق اللَّه الإنسان أمة واحدة أى مرتبطا بعضه ببعض في المعاش لا يسهل على أفراده أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلا مجتمعين يعاون بعضهم بعضا ، فكل واحد منهم يعيش ويحيا بشيء من عمله لكن قواه النفسية والبدنية قاصرة عن توفير جميع ما يحتاج إليه ، فلا بد من انضمام قوى الآخرين إلى قوته . . . وهذا معنى قولهم : « الإنسان مدني بطبعه « يريدون بذلك أنه لم يوهب من القوى ما يكفى للوصول إلى جميع حاجاته إلا بالاستعانة بغيره . . ولما كان
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 250 . ( 2 ) تفسير القرطبي ج 3 ص 31 .
457
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 457