نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 43
أن عقولهم قد سلَّم إدراكها ، وتقشعت عنها غشاواتها ، وامتد نظرها في الكائنات فأدركت أن لها مبدعا حكيما وخالقا قديرا ، جعلها تسير بنظام محكم ، فهذه كواكب تظهر وتغيب ، وسماء مرفوعة بغير عمد ، وأرض راسية لا تميد ولا تضطرب . . . صُنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ فكان من ذلك لتلك العقول براهين قاطعة على وجود خالق مدبر ، وحكيم قدير ، ومبدع لا تأخذه سنة ولا نوم . والإيمان بالغيب الذي أخبر به الصادق المصدوق صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقوى ويعظم كلما قوى الإيمان في القلوب ، واستولى الصفاء على النفوس ، وقد مدح النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المؤمنين بالغيب في أحاديث متعددة ، منها ما جاء عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز قال : قلت لابن جمعة : حدثنا حديثا سمعته من رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : نعم أحدثك حديثا . تغدينا مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال : يا رسول اللَّه ، هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك . قال : نعم ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يرونى « . قال ابن كثير : فقد مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرا من هذه الحيثية لا مطلقا « 1 » . وأخرج ابن أبى حاتم والطبراني وابن مندة وأبو نعيم عن بديلة بنت أسلَّم قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بنى حارثة ، واستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ، ثم جاء من يخبرنا بأن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد استقبل البيت ، فتحول الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام ، فبلغ ذلك النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : « أولئك قوم آمنوا بالغيب » « 2 » . تلك أول صفة نتيجة التقوى وهي الإيمان بالغيب ، أما الصفة الثانية التي مدح اللَّه بها المتقين فهي قوله - تعالى - : * ( ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) * . الصلاة في اللغة الدعاء ، من صلى يصلَّى إذا دعا ، واستعملها الشارع في العبادة ذات الركوع والسجود لاشتمالها على الدعاء ، والإقامة في الأصل : الدوام والثبات ، من قولك : قام الحق أى : ظهر وثبت . ومعنى * ( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) * : يؤدونها في أوقاتها المقدرة لها ، مع تعديل أركانها ، وإيقاعها مستوفية لواجباتها وسننها وآدابها وخشوعها ، فإن الصلاة المقامة بحق هي تلك التي يصحبها
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 41 . ( 2 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 42 .
43
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 43