نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 429
الأزمنة والأمكنة المفضلة ، واللَّه - تعالى - لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، وهو - سبحانه - سيجازيكم على فعل الخير بما تستحقون من جزاء . ثم قال - تعالى - : * ( وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) * . قال الإمام الرازي : في هذه الجملة الكريمة قولان : أحدهما : أن المراد وتزودوا من التقوى - أى الأعمال الصالحة - والدليل عليه قوله بعد ذلك * ( فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) * وتحقيق الكلام فيه أن الإنسان له سفران : سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، فالسفر في الدنيا لا بد له من زاد وهو الطعام والشراب والمال . . إلخ . والسفر من الدنيا لا بد له أيضا من زاد وهو معرفة اللَّه ومحبته والإعراض عما سواه ، وهذا الزاد خير من الزاد الأول لأن زاد الدنيا يخلصك من عذاب منقطع وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم . . قال الأعشى مقررا هذا المعنى : < شعر > إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا < / شعر > < شعر > ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد بما كان أرصدا < / شعر > والقول الثاني : أن هذه الآية نزلت في أناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد ويقولون إنا متوكلون ، ثم كانوا يسألون الناس ، وربما ظلموا الناس وغصبوهم فأمرهم اللَّه - تعالى - أن يتزودوا بالمال والطعام الذي يغنيهم عن سؤال الناس « 1 » . والذي نراه أن الجملة الكريمة تسع القولين . فهي تدعو الناس إلى أن يتزودوا بالزاد المعنوي النفسي الذي يسعدهم ألا وهو تقوى اللَّه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والإكثار من العمل الصالح وفي الوقت نفسه هي تأمرهم - أيضا - بأن يتزودوا بالزاد المادي الحقيقي الذي يغنيهم عن سؤال الناس ، ويصون لهم ماء وجوههم . وبذلك نكون قد استعملنا اللفظ في حقيقته ومجازه ، وهو استعمال شائع مستساغ عند كثير من العلماء . ثم ختم - سبحانه - الآية بتأكيد أمر التقوى ووجوب الإخلاص فقال : * ( واتَّقُونِ يا أُولِي الأَلْبابِ ) * والألباب : جمع لب وهو العقل واللب من كل شيء : هو الخالص منه . وسمى به العقل ، لأنه أشرف ما في الإنسان . أى : أخلصوا لي يا أصحاب العقول السليمة ، والمدارك الواعية ، لأنكم لما كنتم كذلك كان وجوبها عليكم أثبت ، وإعراضكم عنها أقبح . ورحم اللَّه القائل :
( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 84 بتلخيص .
429
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 429