نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 380
نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أى : سكوتا عن الكلام . وصوم الريح ركودها وإمساكها عن الهبوب . وتقول العرب : صام النهار وصامت الشمس عند قيام الظهيرة لأنها كالممسكة عن الحركة . أما الصيام في عرف الشرع فهو - كما يقول الآلوسى - إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة . وقد فرض اللَّه - تعالى - على المسلمين صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة ، وعده النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أحد أركان الإسلام الخمسة ، فقد روى البخاري - بسنده - عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - قال : سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان . وأل في الصيام للعهد الذهني ، فقد كان العرب يعرفون الصوم ، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش والجاهلية « . والتشبيه في قوله - تعالى - : * ( كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) * راجع إلى أصل إيجاب الصوم وفريضته . أى : أن عبادة الصوم كانت مكتوبة ومفروضة على الأمم السابقة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا اللَّه ، إذ لم يرد نص صحيح عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يبين لنا فيه كيف كان صيام الأمم السابقة على الأمة الإسلامية . وقيل إن التشبيه راجع إلى وقت الصوم وقدره ، فقد روى عن مجاهد أنه قال : كتب اللَّه - عز وجل - صوم شهر رمضان على كل أمة . وهذا القول ليس له دليل ، ولذا قال القاضي أبو بكر بن العربي : المقطوع به أن التشبيه في الفرضية خاصة ، وسائر الوجوه مجرد احتمال . ولفظ « كما » في قوله - تعالى - : * ( كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) * في موضع نصب على المصدر ، أى : فرض عليكم الصيام فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم . ومن فوائد هذا التشبيه ، الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بشأنها إذ شرعها - سبحانه - لأتباع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ولأتباع الرسل الذين سبقوه في الدعوة إلى توحيد اللَّه ، وهذا مما يقتضى وفرة ثوابها ، ودوام صلاحها . كذلك من فوائده تسهيل هذه العبادة على المسلمين لأن الشيء الشاق تخف مشقته على الإنسان عند ما يعلم أن غيره قد أداه من قبله . والفائدة الثالثة من هذا التشبيه إثارة العزائم والهمم للنهوض بهذه العبادة ، حتى لا يكونوا
380
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 380