نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 293
أما اليهود ومن على شاكلتهم ممن في قلوبهم مرض فقد استقبلوه بالاستهزاء والجحود ، وإثارة الشبهات ، لبلبلة الأفكار ، وتشكيك المسلمين في عقيدتهم . ومما قاله المشركون في ذلك : إن محمدا صلَّى الله عليه وسلَّم قد تحير في دينه ، وبوشك أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا . ومما قاله المنافقون : ما بال المسلمين كانوا على قبلة ثم تركوها ؟ ومما قاله اليهود - الذين تولوا كبر التشكيك في صحة التوجه إلى البيت الحرام - إن القبلة الأولى - وهي بيت المقدس - إن كانت على حق فقد تركتم أيها المسلمون الحق وإن كانت على باطل فعبادتكم السابقة باطلة ، ولو كان محمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيا حقا ما ترك قبلة الأنبياء قبله وتحول إلى غيرها وما فعل اليوم شيئا وخالفه غدا . ومقصدهم الأول من وراء هذه المقالات المرذلة ، الطعن في شريعة الإسلام ، وفي نبوة النبي ( عليه الصلاة والسلام ) . ثالثا : ولكن القرآن الكريم أفسد عليهم خطتهم ، وأحبط مكرهم ، فأخبر الله - تعالى - نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم بما سيقوله هؤلاء السفهاء جميعا قبل أن يصدر عنهم ، ومهد لتحويل القبلة بما يطمئن النفوس ويثبت الإيمان في القلوب ويهيئ الأفئدة لتقبل هذا الأمر العظيم ، فذكر الله في الآيات السابقة على التحويل أنه إذا نسخ آية أتى بما هو خير منها أو مثلها ، لأنه القادر على كل شيء ، المالك للسموات والأرض تصرفا وتدبيرا ، وهو أعلم بما يتعبد به عباده وما فيه الخير لهم . ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك أن له المشرق والمغرب . ففي أى مكان توجه المصلَّى فثم وجه الله ، ثم نبه - رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بأنه لن يرضى عنه اليهود ولا النصارى حتى يتبع ملتهم . إشارة إلى أن المصلحة في التوجه إلى بيت المقدس قد انتهت وان الاستمرار على ذلك لن يكبح جماع نفوس لم تصبغ بهداية الله وتوفيقه . ثم فصل القرآن بعد ذلك الحديث عن البيت الحرام وتعظيمه وشرفه فذكر أن الله - تعالى - قد جعله مثابة ومرجعا للحجاج والعمار . يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار وكلما ازدادوا له زيارة زاد شوقهم إليه . وجعله - أيضا - حرما آمنا لهم . بينما يتخطف الناس من حولهم . وأخبر - سبحانه - أنه قد عهد في بنائه إلى نبيين كريمين هما سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام - وأمرهما بتطهيره من كل رجس للطائفين والعاكفين والركع السجود . وقد كانت الآيات الواردة في شأن المسجد الحرام قبيل الأمر بتحويل القبلة كفيلة بإعطاء صورة وافية لكل عاقل ، بأن بيتا له هذه القداسة جدير بأن يكون قبلة للناس في صلاتهم ،
293
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 293